TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلمات عارية :فلسفة خلق الأزمات

كلمات عارية :فلسفة خلق الأزمات

نشر في: 16 مارس, 2012: 10:38 م

 شاكر الانباري هنالك من لا يريد لحياتنا أن تسير بسهولة، وهذا واضح من تراكم اشكالات، ومعضلات يومية، وعامة، حلولها من اليسر بمكان بحيث توفر على الجميع معاناة دائمة توارثناها سنة بعد أخرى. ابسط مثال على ذلك الزحام الشديد الذي تخلقه نقطة سيطرة لا تترك سوى ممر واحد ضيق تخرج منه آلاف السيارات المتكومة وراء النقطة،
احيانا دون وجود حتى لرجل امن يقوم بتفتيش المركبات، وهذا نموذج بسيط يمكن ايجاد ظواهر موازية له تبدأ من الشارع ولا تنتهي عند آليات ادارة الدولة. هناك أزمة سكن خانقة في المحافظات جميعها، والحل البديهي هو قيام شركات، ومقاولون، ببناء الوحدات السكنية في كل محافظة، وبشكل سريع واستثنائي، لحل الأزمة التي انعكست على ارتفاع الايجارات، فصارت بغداد توازي عقارات لندن، بيعا وايجارا. وبعد مرور عقد تقريبا من السنين ظلت الكهرباء أكبر أزمة اجتماعية نواجهها، فالمعروف ان الزمن يحل المشاكل المستعصية، والملاحظ هنا أن معضلة الكهرباء تسوء سنة بعد أخرى، على حساب ازدهار سوق المولدات، وتجارة الوقود في السوق السوداء، وأرباح متعهدي المولدات المناطقية والبلدية، وكل هذا يلقي ظلالا من الشك على جدية ما تبذله الدولة، وأجهزتها، ووزاراتها، لحل هذه العقدة الكأداء في حياة الفرد، ولم يبق سوى بضعة شهور على الصيف. وثمة من يفكر بأن مشكلة الكهرباء لا تملك من الأهمية أكثر من استيراد الأعلاف، أو معالجة أمراض النخيل، أو تنظيف المجاري في المحافظات، ضمن أروقة البيروقراطية الحكومية ومجلس النواب، ورؤاهما البعيدة عن نبض الشارع ومعاناته. ما الغرض وراء خلق أزمة اجتماعية، وسياسية، في معالجة ظواهر بسيطة مثل الإيمو، والنوادي الترفيهية، وبيع الخمور، وملابس النساء، وأزياء الشباب، سواء في الشارع ام في المؤسسات الرسمية، وهل تستحق هكذا ظواهر اجتماعية موجودة لدى شعوب الأرض كلها أن تتحول الى أزمات وطنية تنشغل بها الصحافة، والقنوات الفضائية، وأجهزة الشرطة، ومجلس النواب، والصحافة العالمية، ومنظمات حقوق الانسان؟ الا توجد بدائل لمثل هكذا حلول لا تهدد السلم الأهلي، ولا تغطي على الجهد المبذول في ملاحقة ملفات الفساد المالي والاداري والعقود والشهادات المزورة وعصابات الجريمة المنظمة ومعالجة الخلل في تطبيق القوانين، وايجاد بيئة قضائية ناجحة لا تثير الريبة والشك حولها. فلسفة اثارة ملف، وتهويله، وإشغال الرأي العام به لتغطية ملف سابق، هي فلسفة مجربة لدى الأنظمة الفاشلة، والدول المتخبطة بالحلول، وقد مورست من قبل أكثر من نظام، لكنها في النهاية لم تعمل الا على تسريع لحظة الانفجار الكبير لدى المواطنين. اما الدول التي تمتلك نظاما انتخابيا، فأي انتخابات قادمة قد تقلب الطاولة على أصحاب فلسفة خلق الأزمات لتضعهم في نهاية القائمة. لدينا استحقاقات يعرفها الفرد جيدا: قانون للأحزاب، قضية كركوك، الطائفية السياسية، تقديم الفاسدين والمزورين الى المحاكمات العلنية، الاعتماد على الكفاءات لا الولاءات، استرجاع ملايين العراقيين الى بلدهم وبينهم آلاف من العقول العلمية والثقافية والفنية، تحرير الجامعات من الآيديولوجيا، العلاقة بين المركز والمحافظات ومن بين ذلك العلاقة مع الإقليم، استقلالية القرار العراقي من التدخلات الإقليمية، بناء المجتمع المدني الذي يتمتع فيه الجميع، مكونات وأفرادا وأحزابا وطوائف بحقوق متساوية. كل ما سبق هو البنية التحتية للوضع المرتبك والقلق للعراق. فوق ذلك ان خلق الأزمات ما هو الا هروب الى مستقبل غامض، لا لحزب او طائفة أو قومية بعينها، انما للبلد بالذات، خارطته، بشره، وحدته الديموغرافية وموروثه الحضاري الذي راح يختفي، ويزول، في ركام التخلف، والجهل، والطقوس الظلامية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram