أحمد عبد الحسين في الطاولة المستديرة التي أقامتها مؤسسة "المدى" أمس، حول الإيمو "أسبابها والموقف منها" كان الحوار صريحاً بل وحاداً في بعض الأحيان، لوجود ممثلين عن وزارة الداخلية وناشطين في منظمات المجتمع المدنيّ إضافة إلى الباحثين المتخصصين. وهي ـ على ما أعرف ـ المرة الأولى التي يلتقي فيها أصحاب الشأن في هذه القضية لإزالة اللبس وسوء الفهم وسيل المبالغات والتهويل الذي أشيع منذ أسابيع ولم يهدأ للآن.
الصراحة والحدّة كانتا ضروريتين لأنهما أضاءتا جوانب معتمة في مجمل ما يتعلّق بالظاهرة، كان حديث العميد خالد المحنا "معاون مدير الإعلام في الداخلية" حاملاً لكثير من العتب على وسائل الإعلام التي جعلتْ "الشائعة تنتصر على الحقيقة" على حدّ تعبيره، لكنّ السيّد العميد فاته أن المسائل التي تتعلّق بالحريّات العامة يتم التعاطي معها بنحو من الحساسية قد لا يستشعرها الرسميون الذين ينفذون ما يطلب منهم أحياناً بآليةٍ فيها من البرود الكثير.جزء أساس من ميكانيزمات الدفاع في الجسد الثقافيّ انه يستنفَر بالكامل لدى أول إشارةٍ يمكن أن تفهم باعتبارها تقليصاً لحرية الأفراد أو الجماعات، فيلجأ أحياناً لتهويل المشكلة وآثارها لدرئها، فلم يكن نافعاً أن يصار إلى التقليل من أهميتها بالقول إننا لا نعرف سوى ضحية واحدة، لأن ذلك الأمر لا يستقيم مع الاهتمام الدينيّ بالظاهرة معبراً عنه بفتاوى وإرشادات لمراجع دينية بارزة حرّمتْ قتل شباب الإيمو، كما لا يتوافق مع الاهتمام الشعبيّ المعبّر عنه بحكايات ونكات "أورد الناشط جاسم الحلفيّ بعضاً منها كأمثلة".إذا كان هناك من "شائعة" انتصرت على الحقيقة، فإنّ مؤسسات رسمية هي من أطلقتْها أولاً ، السيّدة هناء أدور أثبتتْ ذلك بوثائق جلبتها معها في الندوة.كان للشباب حضور فاعل، أسئلة بسام عبد الرزاق الصريحة والمباشرة كانت الأجدر بتمثيل أسئلة الشبان الخائفين اليوم على حياتهم في ظلّ أجواء رعبٍ منعتْ اثنين من شباب الإيمو من الحضور للندوة.الورقتان اللتان قدمتا في الندوة من قبل كلّ من الدكتور فارس كمال نظمي والأستاذ علاء حميد، شكلتا ركيزة معرفية لمناقشة الظاهرة، نفسياً واجتماعياً. ففي حين ركز علاء حميد على بحث العلاقة الملتبسة بين السلطة والجماعة وتبيان أن الجماعة في العراق تنتصر على الدولة دائماً لجهة تمثيلها تطلعات الفرد وصناعة هويته "سننشر نص الورقة يوم الثلاثاء المقبل"، أوضح الدكتور فارس كمال نظمي أن الدولة العراقية شهدتْ منذ تأسيسها ظاهرة استئساد القويّ على الضعيف، وان بعض الجماعات الرسميّة تريد الاستعاضة عن عدم قدرتها على الانتصار في حربها مع خصومها الحقيقيين بالانتصار على أفراد عزّل مسالمين لتوكيد قدرة هذه الأجهزة على أن تكون قويّة.ورقة الدكتور نظمي "التي سننشرها بكاملها غداً" كانت عميقة وشكلت مقاربة سايكولوجية ذات مداخل سياسية واجتماعية لبحث هذا الموضوع الذي يتناوب عليه اثنان: خائفون يريد تهويلها للدلالة على خطورتها، ورسميون هم أكثر استرخاء يريدون تهوينها لإبعاد المسؤولية عنهم.الحوار مفيد رغم ذلك ـ وربما بسبب ـ تقاطع وجهات النظر وتباينها.
قرطاس :تهويل وتهوين!
نشر في: 17 مارس, 2012: 08:03 م