محمد صادق جراد عانى الشعب العراقي على امتداد عقود طويلة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وبالرغم من تعدد جرائم النظام الدكتاتوري السابق إلا أن جريمة حلبجة تبقى الأكثر وحشية وبشاعة حيث استهدفت طائرات ومدفعية النظام الحياة في مدينة حلبجة بكل جوانبها فقتلت البشر والطير والطبيعة وحولت الغازات الكيميائية مدينة حلبجة إلى مقبرة جماعية لشعب عانى ظلم النظام البعثي طيلة سنوات تواجد هذا النظام على رأس السلطة .
ويحق لنا أن نستغرب اليوم عندما نجد أن البعض يدافع عن النظام الفاشستي المقبور بعد أن أصبح واضحا للجميع انه قد ارتكب العديد من جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب العراقي ومارس سياسة التمييز الطائفي والقومي ضد أبناء شعبه وخاصة عندما أقدم على ارتكاب جريمة قصف هذه المدينة بالأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا ليقتل الإنسان والنبات وكل ملامح الحياة فيها في ظل الصمت الدولي الذي يبقى علامة استفهام كبيرة ضد كل من مارس فعل الصمت والسكوت على هذه الجريمة البشعة .ولابد لنا ونحن نستذكر هذه الفاجعة الأليمة أن ندرك بان الجريمة قد كشفت زيف الشعارات التي كان يحملها النظام السابق كالوحدة الوطنية والاعتراف بحقوق الشعب الكردي وتكشف أيضا مدى صمود وشجاعة الشعب العراقي في التصدي لنظام شمولي فاشستي وتقديم هذا الشعب وخاصة الشعب الكردي للتضحيات الكبيرة من دماء أبنائه ليسجل تاريخا مميزا بين الأمم . فلم يسبق أن قام حاكم بضرب أبناء شعبه بهذه القسوة والوحشية ولذلك تعد مجزرة حلبجة حدثا تاريخيا ورمزا لوحشية الحاكم المستبد وانتصار الشعب الصابر .ولابد لنا اليوم ومن خلال قراءة متأنية لجريمة حلبجة أن نخرج بدروس كثيرة أهمها :إن الصمت الذي رافق جريمة حلبجة كان جريمة أخلاقية يتحملها الجميع في ذلك الوقت من إعلام ومنظمات إنسانية ومجتمع دولي الأمر الذي يجعل جميع الأطراف اليوم أمام مسؤولية إنسانية للوقوف مع الشعوب التي تتعرض لجرائم وحشية من قبل الأنظمة الدكتاتورية لأن التاريخ سيكون شاهدا على كل ما يحدث ولن يرحم الطغاة ومن يساعدهم على انتهاك حقوق الإنسان في بلدانهم .وأخيرا نقول بان الجريمة التي قام بها هذا النظام المجرم تعكس وحشية الأشخاص الذين كانوا يتحكمون بالسلطة في هذا البلد من خلال النظر إلى طبيعة الجريمة التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ في أبشع صور التعامل مع الشعوب , ولكن ما يميز الاحتفال اليوم بهذه المناسبة الأليمة هو أن الشعب الكردي تمكن من الحصول على حقوقه وهو يمارس حياة حرة كريمة في ظل الديمقراطية التي انتزعها أبناء الشعب العراقي من قبضة الأنظمة الدكتاتورية بكل أجهزتها القمعية لتصبح حلبجة درسا للشعوب ورسالة للإنسانية مفادها أن الشعوب تنتصر في النهاية مهما قام الطغاة بجرائم يندى لها جبين الإنسانية وهاهي مدينة حلبجة تستعيد الحياة من جديد لتكون شاهدة على وحشية وظلامية الدكتاتور الذي اقتص منه الشعب لينتهي في زوايا التاريخ المظلمة .
حلبجة ... الشهادة والانتصار
نشر في: 17 مارس, 2012: 08:04 م