اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > لماذا الميل إلى الصيغة المركزية؟

لماذا الميل إلى الصيغة المركزية؟

نشر في: 17 مارس, 2012: 08:05 م

محمد عطوان ينزع العقل السياسي الجمعي العراقي والعقل السياسي الحاكم فيه على السواء إلى قبول صيغة المركزية للحكم كصيغة تصنع معها "الاستقرار". والاستقرار هنا؛ ذلك الذي يفرضه الجهاز الإيديولوجي للدولة، بمعاونة أجهزة الدولة القسرية بتعبير التوسير: لضبط المزاج التحريضي المنفلت،
والحد من تعدد الأصوات والطاقات، وتفتيت النواتات الأساسية لحركات الاحتجاج الشعبي وسواها، فالرعب الحكومي المُمارَس، في مقابل ذلك، يُدخل الجماهير في نظام (تربوي تأديبي) صارم يقنن معه فهمهم للحريات. وهو ما يجعل كل الجماعات الحاكمة المتأتية من طريق الانقلاب، والتي مارست إحلالا قسريا للحكم، تميل إلى قبول استعمال حكم القوة، والشعب هو الآخر يتناغم مع سياسات القوة (المُطَمئِنة)، فلا حكم عملي بغير أوامر الحزم والانضباط الإداري والعسكري، وهو كفيل بصناعة مفهوم الوحدة والوطن وفكرة التماسك الاجتماعي، انه تاريخ سوسيو سياسي من التطبيع أسست له تقاليد الدولة العراقية الحديثة منذ ثمانين سنة،حيث أن مقولات الإثنية والمناطقية والطوائفية والمذهبية التي يجري طرحها بعد 2003 كأديولوجيات موجِهة لعبت دورا في تعزيز الاعتقاد لدى الناس بموضوع تقسيم "الوطن الواحد" إلى إمارات وطوائف ومناطق منفردة وأقاليم، وهو ما راحت تسهم فيه خطابات وتصريحات القادة السياسيين عبر وسائط الميديا، الخطابات والتصريحات القائمة على التصعيد والتأزيم، وعلى بث الشعارات الهووية في شعب عُرف عنه استجابته المحمومة للشعار منذ زمن الشعارات الشيوعية والقومية وصولا إلى الصيغ الشعارية الإسلامية الحاكمة والمتحكمة اليوم.إن مشروع اللامركزية الإدارية الذي تم اقتراحه في العراق كتجربة قابلة للاختبار وبديلة عن الصيغة المركزية القديمة للحكم، كان يزاحم الواقع التكويني لمجتمع دول الجوار والايدولوجيا المهيمنة في كل بلد فيه والتي تجد ما يناظرها في مكونات الديموجرافيا العراقية، من قبيل؛ الشيعي بتلويناته المتعددة، والسلفي والوهابي والسني المعتدل والتركماني والكردي بقبائله هنا وهناك.. وفي ضوء ذلك تتوفر لدى دوائر التخطيط الستراتيجي الأمريكية خلاصة استقرائية واعية عن عودة الصراع الحالي إلى محركات الهوية من أضيق دوائرها إلى أوسعها، ليس في العراق حسب بل في العالم أيضا، وهذا الواقع يجعل من مشروع تطبيق اللامركزية في العراق عاملَ تأزيم أكثر منه عاملَ استقرار. هل يعني ذلك أن الأمريكيين يقصدون التأزيم من وراء اللامركزية، وهم مساهمون أساسيون في تثبيت مثل هذه الصيغة؟  ربما، ليس هذا ما يشغلنا الآن، إلا أن الذي يشغل أكثر؛ الصعوبة في تطبيق اللامركزية وهو المُشكِل الأهم في العراق اليوم.إن ما جرى بعد 2003 هو محاكمة مؤسسة النظام السياسي، وأعني بذلك، تفكيك منظومة القوانين والقيم الإدارية وعلاقات الإنتاج التي كانت قائمة والأفراد وحتى الذاكرة، ما أدى ذلك إلى الإجهاز العملي كليا على تفصيلاتها، يضاف إليه قرار محاكمة رجالات النظام (النخبة التي كانت تحكم)، ولو تأملنا حجم الأثر في ما تركته محاكمة عناصر النظام الحاكم، وفي تفكيك بنية المؤسسة النظامية لبان الفرق جلياً. لقد تم التخلص من الأشخاص غير المرغوب في وجودهم وحُسم الأمر في ذلك، لكن لم يجرِ الحال ذاته مع المؤسسة، فقد أضحت البيئة السياسية بلا مؤسسة، ولا نزال إلى اليوم نتساجل حول الوضع الأمثل لتركيبتها، فضلا عن أن من كان يتولى تدابير المحاكمة والبنيان المؤسسي الجديد أشخاص سياسيون ينتمون إلى زمنية محددة مع تغافل واضح للبعد التاريخي لعمران الدولة كجسد ينمو، وللحقيقة لا نستطيع أن نتناول فاعلية الأفراد في مرحلة حكم معين بمعزل عن تاريخ تطور الدولة، والدولة إنما هي نتاج تطور تاريخي (سياسي وقانوني وقيمي) حتى على مستوى الميكرو بحسب المنهج النظمي أي البعد الداخلي للدولة،وهو ما ينعكس على واقع التجربة السياسية الداخلية الآن والقدرة على استيعابها، فالعمل باللامركزية الإدارية على صعيد المحافظات بوصفها محاور مستقلة عن المركز ولها صلات به في الوقت ذاته أمر بالغ التعقيد سواء على مستوى الإدارة في الجانب التطبيقي منه أو على مستوى وعي الأفراد به. إذ يفصح الواقع عن حقيقة أن الأفراد لا يزالون ينظرون إلى حكومة المركز باعتبارها صاحب الإرادة العليا وصانع القرار في كل شيء، والمركز في حقيقته يؤكد مثل هذه القناعة، فهو الآخر لا يرغب في منح كل الصلاحيات للأطراف، وإذا أمكن للأطراف أن تنتزع جزءا من الصلاحيات الخاصة بها من المركز (طبقا لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008) فستجابه هي الأخرى بعامل ردع آخر وهو الانتماء الحزبي لممثلي الكتل الغالبة، لأن إرادة الحزب الذي يتمتع بأغلبية الأصوات في المراكز ذاتها في الواقع صاحبة الأغلبية في مجالس المحافظات، وبالتالي ثمة استتباعية وارتباط حزبي اشد صرامة بكثير من الجوانب الوظيفية المتعلقة بهامش الصلاحيات الممنوحة والذي يحكم طبيعة السلوك العامة للأفراد حكاما ومحكومين ومنظومة إدارية تقليدية متأصلة. فأي ممارسة مركزية من المركز يقابلها استتباع وامتثال في الأطراف وإضعاف لقيمة اللامركزية المفترضة.زد على ذلك الغموض الذي يغلف كثيراً من المواد ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram