للذكريات عيون تأسر مشاهد مؤلمة مثلما لها أفواه تنطق بالحق لتسطـّر حقائق دامغة لن تطمرها عجلات الزمن ، ففي اللحظة هذه امتطت شهادتي صهوة ذكرى عادت بي إلى تسع سنوات ماضية يوم وثقت مشهد الخراب الشامل الذي عمّ وكر الصقور إبان تطاول الطائرات الأمريكية على أعرق وأهم نادٍ في العراق لم تترك ركناً فيه إلا وأحالته إلى رماد سحيق.
كان ذلك يوم 12 أيار عام 2003 ، زرت مقر النادي بتكليف من الدكتور طه جزاع رئيس تحرير جريدة الأيام – نصف أسبوعية - أصدرنا 35 عدداً قبل أن تـُغلق لأسباب مالية ، صوّرت دمار نادي القوة الجوية آنذاك ووثقت بالكلمة كل مأساته ، ولفحتني حرارة الوحدة الإنسانية الرائعة لنجوم الأزرق بقيادة زميلهم سمير كاظم ، وبينما هم يسابقون الليل والنهار من أجل إزالة سواد الحرب واستعادة زرقة الحياة في ناديهم وسط الخراب من دون امتعاض أو يأس كان غيرهم يشبعون نوماً أو يرتعدون خوفاً (اليوم يلهثون وراء امتيازات الإدارة) ! حتى استقر كل شيء ونبضت كرة القدم وبقية الألعاب على إيقاع حركة وحماسة الشباب الجوي الذين أسهموا مع إدارة سمير كاظم في بعث روح انتصار العريق وكأنه وُلد من جديد. تلك شهادة لابد منها لرئيس نادي القوة الجوية السابق الذي اصطاد قلقه زميلنا سعد المشعل في دمشق وأزاح عن وجهه هموم الغربة القسرية وقد غمرت حياته منذ مغادرة البلد قبل عامين لأسباب إدارية بعد اكتشاف عدم صحة الوثيقة المدرسية التي قدمها للجنة المشرفة على الانتخابات ، فالرجل استدرك خطأه بعد حين ولم يخفِ مشاعره بالحرج من العراق الذي دافع عنه في بطولات كثيرة بفدائية مذهلة ورثها من سلالة ملوك الدفاع الثلاثة (الراحلين جمولي وعبد كاظم) وعدنان درجال. إن خطيئة سمير كاظم ربما عتـّمت على الجميع " لا إرادياً " رحلته المضيئة مع ناديي الجيش والقوة الجوية والمنتخبات الوطنية (1986 – 2004) ، فاختياره العمل الإداري الصرف بدلاً من التدريب عبر تسنّمه منصب أول رئيس نادٍ للقوة الجوية بعد مرحلة التغيير في العراق أوقعه في مطبّات عدة لم ترحمه من سياط اتهامات الإعلام وسخط الجمهور من نزوة (الديكتاتورية) التي عبثت بنفسه أحياناً وأفسدت علاقته برجال مهمّين في النادي وجدوا طريق اللاعودة لوكرهم حصانة لسمعتهم وأعني في مقدمتهم هشام عطا عجاج أحد ألمع لاعبي الجوية منذ تأسيسه حيث ركب (ميراج) تاريخه وغادر حزيناً لما أصابه من جحود لا يستحقه ! وفي الصورة الثانية من مسيرة كاظم ، واجه تحريضاً مؤذياً من أقرب أصدقائه الرياضيين بهدف إلقائه خلف القضبان .. نعم لا تعجبوا فالزمن الذي نعيش تناقضاته كل شيء وارد فيه وقابل للتصديق ، وللأسف أصبح نسف تاريخ النجوم وتخوينهم وخلع رداء الوطنية عنهم أسهل من شربة ماء! كما حصل للمدربين يحيى علوان مع الاولمبي 2006 وعدنان حمد مع الوطني عام 2008 لمجرد خسارة مباراة أو قول رأي حرّ لم يتفق مع سياسة مسؤولي الرياضة!إن طلب الصقر سمير كاظم العفو من الحكومة وتقدير الظروف التي قادته إلى (الأرض الحرام) القانونية يجب ألا ينسينا دوره المؤثر وخدماته للمجتمع والوطن ، وأرى وجوباً أن نشعره بالاطمئنان بين أقرانه المواطنين لأن خطأه ، وهذا ليس تبريراً لسلوكه المرفوض ، كان جزءاً من نظام انتخابي لم يكن دقيقاً وتلاعبت به أهواء العلاقات والتنازلات في لوائح اختيار المرشحين عام 2007 فضلاً عن تساهل وزارة الشباب والرياضة راعية الانتخابات مع أندية (ديكور) ابتلع بعض رؤسائها الطارئين ميزانياتها ولم يصنعوا نصف بطل محلـّي ! وهو ما اعترف به وزير الشباب والرياضة جاسم محمد جعفر في حواره الاستثنائي لمجلة (حوارسبورت) شباط الماضي ، كما أكدت ذلك اللجنة المشرفة على انتخابات 2012 التي من المؤمل أن تفرز صناديقها آذار الحالي والأيام التالية أسماء جديرة بإدارة أكثر من 290 نادياً ، تشفع لهم شهاداتهم الدراسية الموثوق بها للنجاة بأنديتهم إلى ضفاف الاستقرار المادي والفني. سمير كاظم اختار طائر (حوار سبورت) الإعلامي الحرّ ليصل باسترحامه إلى بيت الحكومة لعلّ مسؤولي ملفه يأخذون بنظر الحسبان ما أشرنا إليه في شهادتنا هذه التي نجدها مهمة وتستوجب المراعاة لئلا يضيّع الشيطان أعمال الخير لإنسان وطني معروف وسط الرياضة ويستحق رحمة الله قبل الحكومة ، فأولاده عند باب الدار يرقبون قامته تطلّ عليهم وتنحني لتجفف دموع الأب الغائب التائب إكراماً لهويته العراقية.ومضة : الاعتراف بالخطأ شجاعة ومناعة للمستقبل! عن مجلة حوار سبورت
بالمناسبة: صقر فـي الأرض الحرام!
نشر في: 17 مارس, 2012: 09:04 م