TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: بين السلطة والدولة

أحاديث شفوية: بين السلطة والدولة

نشر في: 17 مارس, 2012: 10:51 م

 احمد المهنامنذ ثورة 1958 والصراع مستمر بين الدولة وبين السلطة في العراق. والدولة أشياء كثيرة والسلطة أشياء قليلة. الدولة إقليم وشعب وحكومة، مؤسسات ثابتة وحكومات متغيرة، مصائر وثقافات ومصالح مشتركة، وأشياء فريدة تختص بها مثل الدستور والعلم والنشيد الوطني ونصب الجندي المجهول والجنسية وجواز السفر.
العراقي، مثلا، إن غرب او شرق هو عراقي بحكم انتمائه الى دولة تدعى العراق. حتى مواليد دول أجنبية من ابوين عراقيين يبقون عراقيين، ليس بالجنسية وإنما بالأهواء الروحية العميقة التي تشكل جانبا جوهريا من شخصية الفرد. فالمولود من أبوين عراقيين مقطوعين عن بلدهما وعائشين في بون أو نيولدلهي، لن يصبح بقضه وقضيضه ألمانيا أو هنديا، بل يبقى عراقيا وإن اكتسب الكثير من سمات البلد الذي ولد وترعرع وعمل فيه.الدولة بالنسبة لمواطنها أمر محتوم لا فكاك منه.أما السلطة فهي الحكومة. وهي في الدول القوية الراسخة أشبه بزائر للدولة، أو موظف في الدولة، حزب يفوز في انتخابات، فيحكم لفترة معينة، يمارس خلالها الخدمة للحفاظ على مصالح الدولة وتنميتها وتطويرها. وفي مثل هذه الدول فإن القوة الحربية والأمنية والإستخبارية ليست أداة بيد الحكومة، وانما تابعة لمؤسسات دولة، وهذه المؤسسات يتغير رؤساؤها او وزراؤها، لكن موظفيها وخبراءها الأساسيين باقون لا يتغيرون.إن الحكومة في الدولة العتيدة ليست حرة في استخدام القوة أو العنف، وانما محكومة بقوانين أعلى سلطة منها، وبوسائل رقابية لا يمكن الإفلات منها.ومثل هذه الدولة ولدت في العراق ونمت وكبرت الى حدود ما بين 1921 و 1958 . ثم تهاوت ولم تنهض منذ قيام الجمهورية، وظل الصراع قائما بين الدولة كمشروع، وبين السلطة كأمر واقع.وسلطة الأمر الواقع هذه هي الحكومة صاحبة القوة الحربية والأمنية والإستخبارية. وهذه الحكومة هي التي أصبحت تتحكم بما بقي من مقومات الدولة. الحكومة أو السلطة هي الأب، والإبن هو الدولة الموضوعة في مهب النزوة والصدفة والهوى.وكل الجمهوريات العربية، من أتى عليها " الربيع العربي"، ومن تنتظر، سارت على نهج السلطة المتحكمة بالدولة. والمبادرة في هذه السيرة كانت لمصر مع ثورة 1952 . اعتبارا منها بدأ في العالم العربي والإسلامي ما يسميه المؤرخون "عصر الثورة". وجوهره اسقاط الدولة ونهوض السلطة. وهو ايضا سقوط النظام وميلاد الفوضى.والفوضى ليست مجرد الفرهود ولا تراخي القانون أو الضعف الأمني، وإنما هي كل شكل من اشكال تحكم السلطة بالدولة، سواء أخذ هذا الشكل طابع حكومة دكتاتورية أو تسلطية. انها تمرد السلطة على الدولة، خروج الحكومة على القانون، وانعطاف السياسة من الفكرة الى العضلة.وان ما يسمى في العراق، منذ 2003 الى اليوم، بأزمة الثقة بين أطراف " العملية السياسية"، هو تعبير عن استمرار الصراع بين السلطة والدولة. فديانة الدولة او فكرة الدولة مازالت ضعيفة، وديانة السلطة مازالت هي الراجحة. لم يطرأ تغيير جوهري على الموروث الحاكم لعصر الثورة. كان هدف الصراع هو إمتلاك القوة للفوز بالسلطة أو للحفاظ عليها. وظل كذلك.ولعل تاريخ الصراع بين السلطة والدولة في العراق هو الأغنى في العالم على مدى نصف القرن الماضي. وحصاده من المآسي كذلك هو الأغنى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram