علي حسينكوميديا الترقيات العسكرية الأخيرة، دليل إضافي على أن عقلية النظام القديم لا تزال تعشش في رؤوس العديد من مسؤولينا، فهم يعتقدون أن العسكر هم الضمان الوحيد لبناء الدولة، متناسين أن القانون واحترامه هو الذي يحمي الأوطان ويؤسس لنظام سياسي قوي ومتماسك، فقد جرب العراقيون عصر المهيب الركن والمشير الركن،
حيث انتشرت زنازين الموت وساحات الإعدام، كانت الناس تأمل أن تقوم صورة الدولة الحديثة بعد2003 على فكرة السلطات الثلاث والفصل بينها بحيث تمنع ظهور جنرال جديد يتبختر بزيه العسكري، وقد دفع العراقيون جميعا الثمن غاليا من اجل التغيير والديمقراطية، لكن الواقع يقول اليوم أن قطاعا لا يستهان به من السياسيين لا يزال يقاوم بشراسة فكرة أن العراق شهد تغييرا، وان التغيير يعني عصرا جديدا، وبناء جديدا على ارض صلبة ونظيفة، فما يجري على ارض الواقع يؤكد صحة ما ذهبت إليه تقارير المنظمات الدولية من أن العراقيين استبدلوا صدام الاسم لكي يحافظوا على نظام سياسي لا يختلف من حيث الزي واللهجة والخطوات من نظام "القائد الضرورة". ففي فقرة جديدة من فصول كوميديا العصر العراقي الجديد كشفت لنا لجنة الأمن والدفاع في البرلمان من انها فوجئت بارتفاع أعداد الرتب العالية في الجيش العراقي إلى 80 فريقا وأكثر من 200 لواء، ولأنني من هواة توثيق مصائب حكومتنا الرشيدة فقد استفزني الخبر ودفعني للبحث عن عدد الجنرالات في أقوى قوتين عسكريتين في العالم، فكانت المفاجأة، فالجيش الأميركي وهو الأول في العالم لديه أربعون عسكريا برتبة فريق، في حين أن الصين بلد المليار ونصف المليار لا يتجاوز عدد جنرالاتها برتبة لواء 265 جنرالا، وان جنرالاتها برتبة فريق يعدون على الأصابع،المثير في تقرير لجنة الأمن البرلمانية أنها تشير إلى أن 50 فريقا تم ترقيتهم خارج الضوابط.طبعا سأكون ساذجاً لو إني سألت عن الأموال التي أهدرت بعد عملية الترقيات الجديدة، فالأرقام أكثر من قدرتي على الحساب، تضاف إليها السيارات المصفحة والحمايات ومخصصات سكن وخطورة وما بينهما من الأموال التي تصرف بدون وجه حق. بعض هؤلاء الضباط لم نر له سجلا حافلا في الملف الأمني، بل إن العديد منهم كانوا جزءا من منظومة أطلق عليها "جماعة كل شيء تحت السيطرة" فيما العبوات الناسفة وكواتم الصوت والمفخخات تطارد العراقيين في المدن والقرى والأقضية، البعض من هؤلاء جزء من ماكنة إعلامية دائما ما تفاجئ الناس بسيل من التصريحات والبيانات المتناقضة، بعد مسلسلات الترقيات وقبله مسلسل الدرجات الخاصة اصبحت الناس تشعر بان القانون الوحيد هو قانون من أنت وما قوة علاقتك بكبار المسؤولين، حيث كل شيء أصبح وفقا للظروف وللمحسوبية والخطأ لا يؤدي بالضرورة إلى العقاب، ملايين الفقراء يدفعون ضرائب يومية عن بؤسهم ، بينما متنفذي اليوم يصنعون الثروات الضخمة ولا يجرؤ أحد حتى على سؤالهم من أين لكم هذا؟وأنا انتهي من بيان اللجنة النيابية، استمعت الى الخبر الذي بثته وكالات الأنباء والذي يقول : إن هولندا أعلنت الحداد ثلاثة أيام لمقتل سبعة تلاميذ في حادث اصطدام حافلة وتصدرت صورة ملكة هولندا جميع الصحف وهي تمسح دموعها متأثرة.. فيما قال رئيس الوزراء إن البلاد تعيش مأساة حقيقية. الصورة لو اطلع عليها أي مواطن عراقي فقد يموت من الحسرة.. فمثل هكذا صورة تعد من باب المستحيلات عند قادتنا الأمنيين فما بالك بالمسؤولين الكبار.في العراق وجه الإعلام أطنانا من تهم التقصير لغالبية المسؤولين الأمنيين كبارا وصغارا، لكن الحكومة بالمقابل تركت الإعلام يتحدث كما يشاء حتى لو كان الفساد والتقصير مقرونا بوثائق. وحتى إذا استبعدنا خروجهم بوجوه باكية وحزينة، فإن شعورهم بالمسؤولية يبدو مستحيلا، ثم إن القاعدة لدينا تقول أن المسؤول لا يخطأ أبدا، وان الناس هي التي تلقي بأنفسها إلى التهلكة، وهم مصدر للشرور والأخطار على العملية السياسية، وهذا يتطلب من الحكومة ان تبادر على عجل الى اصدار مراسيم وتعليمات لتفصيل بدلات عسكرية وبنياشين لجيش جرار من الجنرالات.
العمود الثامن: ما معنى ان يكون لدينا 300 جنرال ؟
نشر في: 17 مارس, 2012: 10:51 م