وديع غزوانالعنوان قد يوحي بسيناريو فيلم تراجيدي أو رواية نستلهم فصولها من الكوميديا الإلهية وفردوس دانتي المفقود ، غير انه لا هذا ولا ذاك ، بل هو تعبير عن مضمون ما أعلنته النائبة حنان الفتلاوي بجرأة في لقاء عرضته "الحرة عراق" عندما أشارت في معرض حديثها عن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تسحق ملايين المواطنين إلى انعدام مفاهيم العدالة
وضربت مثلاً على ذلك التعيينات في مجلس النواب المحصورة برئاسته وتوزيع المتبقي منها على الكتل دون أن يعرف بها المواطن لأنها لا تعلن أصلا وتجري من "تحت العباءة " بحسب ما قالته النائبة.وكما نعرف جميعاً فإن عدداً غير قليل من أعضاء مجلس النواب ما كانوا ليحلموا بمقعد فيه لولا ثغرات القانون الانتخابي والمحاصصة التي تحوّل الفاشل في الانتخابات لحصوله على ثلاثة آلاف صوت من أصل ثلاثين ألفا إلى نائب، ومع ذلك فهو سلطة تشريعية ويفترض بأعضائه أن يمثلوا الشعب ويتفهوا معاناته ومكابداتها اليومية ، وأن يضعوا معايير الشفافية أمام ناظريه أكثر من غيره ، خاصة في ما يتعلق بالأمور التي تبدو صغيرة قياساً إلى ما يستحصلونه من مكاسب، كالتعيينات في دوائره والإعلان عنها كذر الرماد في العيون كما هو حال بعض مؤسساتنا التي تجيد نشر الدرجات الشاغرة وإجراء مقابلة للمتقدمين المساكين الذين صدقوا ذلك فأجهدوا أعصابهم بالأماني والأحلام الوردية دون أن يدركوا أن هنالك من سبقهم في إشغال تلك الوظائف. وأذكر أن احد الخريجين قد قرأ إعلانا عن توفر درجات في أحد المصارف الحكومية فسألني مساعدته والاستفسار عن إمكانية تقديم الأوراق وقال بانكسار: لا مانع من تقديم مبلغ من المال ! المهم إنني اتصلت بأحد الأصدقاء العاملين في المصرف بدرجة مدير فقال لي بالحرف الواحد "لا أريد أن أخجل معك فلا أنا ولا من هو بدرجتي يمكن أن يصلح شيئاً فالتعيينات من حصة الكبار من درجة مدير عام صعوداً والفضلات توزع بحسب من يدفع أكثر ولا أظن أن هنالك من يصلنا منها". طبعاً قصص كهذه تجدها في أكثر من عائلة في كل أنحاء العراق بما فيها إقليم كردستان ما تضطرها ـ أي هذه العوائل ـ الظروف إلى البحث عن مسؤول تعرفه عسى ولعل ، وهذا نادراً ما يحصل.لا نريد أن نطيل أكثر غير أن الذي نبغيه هو تحفيز المسؤولين على تدارك قضية مهمة ظلت تشغل البشرية منذ أقدم العصور وما زالت، تتعلق بمستوى العدالة التي هي في صلب واجبات أي نظام توفيرها لمواطنيه وإلا فقد شرعية وجوده. وربما من المناسب الإشارة هنا ، من اجل تقريب المعنى ، إلى أن الأكاديمية الروسية ليليا شفتسوفا قد ذكرت أن غالبية الروس بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بدأوا يعلنون تذمرهم من التطبيق المشوه للديمقراطية الغربية الذي أفرز طبقات جديدة أثرت على حساب جوع الملايين وسرقة ممتلكات الدولة و هيمنتها على كل شيء فيها وغياب تكافؤ الفرص والعدالة . لقد انتبه إقليم كردستان إلى هذه الناحية فعمد إلى إطلاق مشروع للإصلاح من أبرز مهامه محاربة مظاهر الفساد ومن ضمنها استغلال بعض المسؤولين مواقعهم وغيرها.. ما نرجوه الالتزام بروح المشروع ليكون أ نموذجاً إلى ما يمكن أن تحققه العدالة إذا ما طبقت في المجتمع حتى ولو نسبياً .
كردستانيات: العدالة المفقودة !
نشر في: 18 مارس, 2012: 07:54 م