خضير فليح الزيدي في عبارة مقتضبة ضمن الإهداء المميز لكتاب الدكتور علي الوردي – أسطورة الأدب الرفيع – إشارة ذكية حين يقول- غاب الذهب واستعاض عنه الناس بالحديد – مهديا كتابه الى الأدباء الذين يخاطبون بأدبهم أهل العصور الماضية على أن يهتموا قليلا بأهل هذا العصر الذي يعيشون فيه..
نقرأ من شفرة الإهداء تلك، إن لحظة موتنا بكل رعب صورته المركبة هي الأكثر إحياء من كل شريط حياتنا، ففطرة العربي الاحتفاء بموته تخليدا لذكرى حياته الشحيحة كما يشاع، أما جموع الأحياء فما عليهم سوى أن يرفلون بالمآسي الحياتية وما تاريخ الحياة سوى تمهيدا الى لحظة الحسم التاريخية.. كانت مقدمة الدكتور الوردي غاية مرعبة في أهميتها، رغما عن بساطة المعاني في ظاهرها.. إلا إنها خير فاتحة لتناول التباس حقب التنوير في الثقافة العراقية على مر عصورها، فهي سرعان ما تندثر وتضمحل، فمن الصعوبة بمكان السطوع من جديد ، فما الذي يعيق النهوض الحضاري ؟ ما الذي يعيق بلورة واستنهاض المفاهيم الثقافية الفاعلة في مجتمعات مثل مجتمعنا ؟ على ان الخوض في حقب التنوير العراقية تاريخيا تبدو معضلة حقيقية في فك الالتباس بين ماهو منتميا الى تلك الحقبة او تلك ، بين مفسدتها او نشاطها الفكري.. بين سباتها او نشاطها الفاعل المؤثر .. بين ماهو ثقافي صرف او نشاط اجتماعي محض ، إذا ما اعتبرنا الدكتور الوردي أحد أهم أركان حركة التنوير العراقية مؤرخا وفاعلا ومثيرا لاسئلة الثقافة الفاعلة.. بالإضافة الى الجيل الذي سبقه من ريادة الفكر التنويري الأول ورعيله متمثلا بالزهاوي ومعروف الرصافي وعوني بكر صدقي ومحمود احمد السيد وميخائيل يوسف تيسي وحسين الرحال وروفائيل بطي.. كنتاج حركة ثقافية مقاومة لما هو سائد في تاريخ العراق المعاصر.. هولاء وغيرهم قد عملوا على نسج خيوط المناهج التنويرية للثقافة العراقية في عشرينات وثلاثينات القرن المنصرم .. مع ملاحظة غاية في الأهمية بأن الحركة التنويرية التدشينية آنذاك لم تخلقها او تحتضنها مؤسسة ما، بل أسسّت لها حركة الأفراد كل على انفراد ..
في المحتوى الثقافي
نشر في: 19 مارس, 2012: 06:55 م