لينا مظلوماستحوذت الفترة الماضية على اهتمام الرأي العام العراقي ظاهرة مُستحدثة عليه هي (الإيمو) بكل التداعيات التي واكبت هذه الظاهرة..و تشير كل ملابسات ظهور (الإيمو)و تفاصيلها الشكلية و الجوهرية الى حركات مشابهة تعود الى تاريخ الحرب الأميركية على فيتنام و إنطلاق رد فعل شعبي جارف(غالبا شبابي) استخدم كل الوسائل للتعبير بقوة عن رفضه لهذه الحرب معلنا تمرده على سياسة بلاده بشكل غير مألوف انذاك في المظهر و الهيئة تحت شعارات السلام ضد الحرب والدعوة الى العدالة الإجتماعية و حريات التعبير الشخصية..
مع تنوع الأساليب التي لجأت اليها هذه الحركة بين مظاهرات و إعتصامات امام مراكز صُنع القرار الأميركي.. إلاّ ان هذا التعبير بلغ الأوج في الضغط على الحكومة لإنهاء حرب فيتنام امام العالم كان عبر أكبر تجمع فني موسيقي عرفته اميركا عام 1969 تحت اسم مهرجان (وودستوك)قُدِمت خلاله على مدى ايام كل الفنون التي عبرت عن هذه الحركة القائمة على رفض الحرب و الدعوة الى تبني مظاهر الثقافة المضادة.. و زاد في صدى المهرجان مشاركة كبار فناني و موسيقيي اميركا ممن عبّروا بإبداعهم عن تمرد و ثقافة شباب هذه الحركة.في الستينات شهدت جامعات اميركا ظهور حركة(الهيبيز) لتنطلق شعبيتها سريعا الى كل دول اوروبا كتعبير شبابي للتمرد على توحُش القيم الرأسمالية و الإحتجاج على ثقافة الإستهلاك و مظاهر النفعية ..ايضا ميّز المنتمون الى هذه الحركة أنفسهم بشكل غريب في إطالة الشعر و الملابس المهلهلة..و كان الفريق البريطاني الشهير(البيتلز) هو الأيقونة الموسيقية التي عبّرت عن تمرد(الهيبيز) على واقعهم الاجتماعي و السياسي.هذه الحركات لم تتخط الطابع السلمي في التعبير عن وجودها و نفسها.. رغم ان إنغلترا شهدت منتصف السبعينات ظهور حركة ثقافية شارعية هي (البانكس) سرعان ما انطلقت الى اوروبا و اليابان و استراليا... تميز افرادها ايضا بمظهر خارجي صارِخ في كل تفاصيله و نمط سلوك فوضوي بوهيمي..هذه الحركة إتّخذت في البداية الفن و الموسيقى و تقاليع الموضة طابعا للتعبير عن رفضهم للواقع المجتمعي و الثقافي الذي فرضته مؤسسات الدول التي ينتمون اليها و ذلك عن طريق تبني نمط حياة و قيم مختلفة.. إلاّ انه تدريجيا بدأت بعض فصائل هذه الحركة إتخاذ مسلك العنف تجاه الآخرين.الواقع ان عبر التاريخ المعاصر ,لم نسمع عن توجه رسمي شجّع او تبنى القتل تجاه أفراد هذه الحركات ..إنما تم فهم اسباب و نوازع ظهور حالات التمرد و الرفض الجماعي في إطارها الموضوعي كنتيجة لحروب او سياسات اقتصادية او أزمات إجتماعية.ظهر العراق خلال العقود الماضية كأرض خصبة للتحولات العنيفة المتضاربة..وُلِد خلالها جيل كامل مقيداً بكل الأغلال التي تُكبّل حرية كل ممارساته سواء السياسية, ,الثقافية, الدينية.. جيل محروم من حقه في التجريب و الإختيار و الوقوع في الخطأ سعيا لإكتساب الخبرات و المهارات.. جيل سمع عن(الأمل) و انتظره طويلا.. ليصطدم بواقع قبيح يُخيّم عليه الإحباط و اليأس و خيبة أمل في غد بعد أن صدّق - ببراءة -من اقنعوه انه سيكون مُشرقا... لذا لم يكن مُستغربا ان يعبر هذا الجيل عن رفضه في مظاهرات اندلعت منذ شباط 2011.. و بدلا من الفهم و التحاور ..إختارت حالة(الغباء السياسي) الجاثمة على عقول القائمين في مواقع صُنع القرار و المسؤولية اسلوب القمع الوحشي ضد صرخة تمرد سلمية بدلا من إحتوائها.. في ذات الوقت سعت تيارات دينية وافِدة على العراق الى التسرب داخل حالة التمرد هذه.. بذلك أضافت الحكومة حلقة جديدة الى سلسلة الفشل في استيعاب و معالجة مشاكل و رسائل الشارع العراقي.(ألإيمو) هي وسيلة هذا الجيل للتعبير عن رفضه وتمرده على نمط و اساليب الإدارة الحالية.. ظاهرة إجتماعية نبتت من جذور سياسات خاطئة.. و الأجدى ان يتم التعامل معها عن طريق إستيعاب الاسباب و معالجتها بدلا من القتل او إلقاء الظاهرة في أحضان التفسيرات الدينية.. و لو أن المنطق مُستبعد على حكومة أدمنت الفشل. كاتبة عراقيةمقيمة في القاهرة
صرخة تمرد..لاتقتلوها
نشر في: 19 مارس, 2012: 08:57 م