( 2 – 2 )كريم عبدإن التجارة الخارجية جعلت كلفة البضاعة المحلية أغلى من سعر مثيلتها المستوردة من إيران وتركيا، وهما الدولتان الأساسيتان اللتان تتعامل معهما طبقة التجار الحاكمة، حيث يصل الاستيراد (وليس التبادل التجاري كما تدعي الحكومة) إلى أكثر من خمسة وعشرين مليار دولار! ولكن رغم أن تركيا وإيران تلاعبتا دائماً بحصص العراق من المياه، إلا أن حكومة المالكي لم تضمّن الاتفاقيات التجارية العديدة بينها وبين حكومتي إيران وتركيا، أية بنود تُلزم هاتين الدولتين بضمان حصة العراق من المياه وفقاً للقوانين الدولية!!
يحدث هذا رغم أن العراق أصبح مُهدّداً بالجفاف خلال العشرين سنة القادمة، بسبب إجراءات إيران وتركيا المجحفة بحق البلد الذي يُنعش اقتصادهما! فسلطة التجار التي تُغامر باقتصاد العراق ومستقبله، تعرف تماماً بأن شحة المياه تحول دون النهضة الزراعية وهذا ما يخدم مصالحها، فالمهم بالنسبة لهؤلاء التجار هو زيادة أرباحهم باستمرار !! وهكذا يتم تقاسم مليارات النفط بين أصحاب إجازات الاستيراد، أي السياسيين التجار، وبين الدول المصدِّرة، وهكذا يتكرس التخلف الاقتصادي والحضاري عموماً، فنحن هنا لسنا أمام مسؤول أو أثنين أو سبعة يستخدمون سلطتهم الرسمية لخدمة مصالحهم في التجارة والمقاولات، بل نحن أمام نهج عام لكتل سياسية هيمنت على الدولة وسيّرتها لمصالحها الشخصية بما يخالف القوانين والأعراف، هكذا ماتت الكهرباء كشرط لازم لتمويت الصناعة والزراعة، أي أننا في العراق أمام حالة غريبة، وهي أن الدولة تعمل ضد تطور المجتمع! إن جميع حكومات العالم تضع كل إمكاناتها لمصلحة تطوير التجارة الداخلية، أي دعم وتنمية الصناعة والزراعة المحلية وحمايتها من المنافسة الخارجية، أما حكومة المالكي فهي تعمل العكس تماماً!! وعندما تستمر هذه الأوضاع الشاذة، فإن علامات شبهة واستفهام كبيرة ترتفع في وجه هذا التكتل الحاكم بسبب إصراره على سوء استخدام السلطة في مختلف المجالات. بيع القطاع العام!إن وضع القطاع العام يؤكد هذه الشكوك والشبهات أيضاً، فهو مُعطّل من قبل الدولة وبدون إنتاج تقريباً منذ العام 2003، فمن بين 130 مؤسسة صناعية لا يعمل سوى عدد قليل منها بنصف إنتاجيته أو أقل بسبب عدم التحديث التقني وأزمة الكهرباء، وحتى المعامل المُنتِجة تتعرض بضاعتها لتنافس غير عادل مع البضائع المستوردة ولذلك تُعتبر خاسرة أو ضعيفة الأرباح! ففي مقابلة مع (فضائية الفيحاء) أجرتها إيمان حسين العام الماضي مع وزير الدولة لشؤون البرلمان حول بيع الخطوط الجوية العراقية، لم نفهم من الوزير لماذا تم بيع هذه المؤسسة الحيوية، وعلى أي أساس تمت الصفقة، ومن الجهات المستفيدة؟ لكن صفاء الدين الصافي قال بصريح العبارة: (سنبيع جميع مؤسسات القطاع العام الخاسرة) وبدل أن تسأله إيمان حسين: لماذا أصبحت خاسرة بعد أن كانت رابحة وتشكل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني؟ كانت مقدمة البرنامج تبتسم مغتبطةً وهي تردد (نعم ستاد، صحيح ستاد) !! لقد أصبحت مؤسسات القطاع العام خاسرة لأن سلطة التجار ومافيا الفساد الحكومية أهملتها بشكل مقصود، وبذريعة إفلاسها تطمح هذه المافيا إلى شراء مؤسسات ومصانع الدولة بأموال الفساد ذاتها، بأبخس الأسعار!! وهكذا يكونون قد استولوا على السلطة والثروة معاً كمقدمة لتأسيس نظام استبداد جديد مُقنّع بالديمقراطية على غرار نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك الساقطين، وهذه الخطة تم تصميمها من قبل قوى إقليمية ودولية وأوكل للأحزاب الدينية تنفيذها منذ 2006 وفقاً لمصادر سياسية مطلعة. ولكل هذا وسواه، لم يعد بوسع المتابع ملاحظة وجود ظاهرة يمكن تسميتها (الاقتصاد العراقي)، لأنه لا توجد دورة مال واقتصاد بالمعني العلمي للكلمة، فبغياب الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي غابت التجارة الداخلية التي تعتبر المرتكز الأساسي للاقتصاد الوطني والمؤشر على النمو والمحرك لسوق العمل والضامن لقوّة العملة المحلية. ولكن هل تخطر مثل هذه التفاصيل على بال روزخونية السياسة وحملة الشهادات المزورة ؟! إنها دولة ريعية بأسوأ المعاني حيث الاعتماد على عائدات النفط فقط، فليس ثمة موارد أخرى تضمن تعددية مصادر الاقتصاد الوطني كضرورة لازمة تجنب البلد أية احتمالات لهبوط أسعار النفط أو توقف تصديره! وفي ظل التعطيل المقصود للصناعة والزراعة تم إضعاف سوق العمل كنتيجة، فصارت الدولة تعيّن المزيد من الموظفين غير المنتجين أو يتم تعطيل طاقاتهم حتى لو كانوا منتجين، لأن دوائر الدولة أصبحت مكاناً لتجميع البطالة المقنّعة. لنلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية عدد نفوسها أكثر من 300 مليون نسمة وعدد موظفي الدولة لا يتجاوز المليون ونصف المليون موظف، بينما يزيد عدد موظفي الدولة العراقية على أربعة ملايين موظف، أكثر من نصفهم بطالة مقنَّعة! هذه هي الدولة الريعية، وهذا هو اقتصاد السياسيين التجار. تخلق الدولة الريعية شعباً استهلاكياً، يأكل ويشرب من إنتاج الشعوب الأخرى! فتضمحل لديه حوافز الإبداع الثقافي والعلمي، ففي البلدان التي تُنتج حاجتها من المواد الاستهلاكية صناعياً وزراعياً يشكل التعليم المهني والتطبيقي أكثر من ثمانين بالمئة بينما الدراسات الإنسانية أقل من عشرين بالمئة، لكن في العراق الحالة على العكس تماماً!! كما أن شيوع الاقتصاد الاستهلاكي هو الذي يفسر أيضاً ضعف الإنتاج والتسويق الثقافي كالسينما والمسرح والدراما التلفزيونية وصناعة الكتاب، بل حتى هبو
حكومة السياسيين التجّار..استخدام السلطة لتعطيل الصناعة والزراعة!
نشر في: 19 مارس, 2012: 08:58 م