TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: اللهمّ ارفعِ القمّةَ عن هذه الأمّة!

قرطاس: اللهمّ ارفعِ القمّةَ عن هذه الأمّة!

نشر في: 19 مارس, 2012: 09:02 م

 أحمد عبد الحسينلم أصدّقْ أني وصلت أخيراً إلى مبنى الجريدة، بغداد اليوم سوق هرج كبير بملايين السيارات الإيرانية الصفراء الفاقع لونها ولا تسرّ الناظرين، زحمة سير غير مسبوقة وحشود عساكر يملأون الطرقات، نقاط تفتيش كثيرة مستحدثة، اضطررتُ إلى النزول من التاكسي الصفراء للمشي فوجدتُ الماشين أكثر من الراكبين،
 مسيرة ذكرتني بزيارات عاشوراء والأربعين، الناس حانقون لكني حين تكلمت مع العساكر وجدتهم حانقين أكثر منا ولا يعرفون ما يجري، والجميع ـ بمن فيهم رجال الأمن ـ يشتم القمّة ومن أسس الجامعة.حشود العمال، عمال تنظيف وترميم على جانبي الطرق، يسابقون الزمن ليفعلوا ما في وسعهم من أجل إظهار مدينتنا المنكوبة بمظهر يليق بعيون القادة العرب التي اعتادتْ على الفخامة والأبّهة والنظافة في قصورهم ومدنهم.لكنّ الارتباك واضح. عمال يجيئون ويذهبون دون أن يعرفوا ماذا يفعلون، ومعهم حقّ، فالمهمة شاقة، صعب ٌ جداً تحويل هذه المزبلة إلى مدينة سويّة، شيء أشبه بالمستحيل تحويل مخيّم اللاجئين الذي نحيا فيه إلى عاصمة في غضون يومين، ورغم أن القمة ستعقد في منطقة معزولة وأن القادة العرب حفظهم الله ورعاهم سيمرون بطريق قصيرة يمكن جعلها قطعة من الجنة بالمبالغ الخرافية التي صرفتها الحكومة على هذه القمّة التي أورثتنا الغمّة، رغم ذلك فالمشهد مثير للضحك، لم تتذكر الحكومة وأجهزة إعلامها النظافة إلا قبل القمة بأيام، ومن يتابع حملة "نظافة بغداد" التي أطلقها الإعلام الحكوميّ وصرف من أجلها ملايين الدولارات ـ إذا استثنينا ملايين أخرى سيضيع دمها بين الجيوب ! ـ سيدهش لحجم السذاجة في أذهان من أطلق الحملة ومن صدّق الكذبة، شخصياً ذكرتني هذه الحملة بصورة كبيرة لصدام كانت تنتصب عند مدخل مدينة السليمانية في الثمانينات ومكتوب عليها مقولة من مقولاته "أنا لا أطلب من العراقيين إلا النظافة" وعلى الأرض تحت الصورة تماماً تلّ كبير من القمامة.بغداد تموج بالمرتبكين: عمال لا يعرفون ماذا يعملون ليجملوا وجه بغداد، أجهزة أمن مرتبكة لأنها مطلوب منها أن تحمي القمة التي لم تعقد بعد، أجهزة إعلامٍ رسمية تبشر بالنظافة كما يبشّر متديّن بمنقذه الذي يأتي ولا يأتي، مواطنون تائهون سكارى وما هم بسكارى بعضهم في سيارات إيرانية صفراء، وآخرون يمشون زرافات ووحداناً إلى أماكن عملهم أو سكناهم، والجميع يلهج بدعاء "اللهم ارفع هذه القمّة عن هذه الأمة".كلّ ما تفعله الحكومة العراقية للقمة العربية هو باللهجة العراقية الفصحى "تلزيك في تلزيك"، كحال أغلب ما فعلته الحكومة لنا في ميادين الخدمات والأمن والديمقراطية والمصالحة.هذا التلزيك لن يجعل بغداد مدينة، ولن يجعل القادة اليعاريب مسرورين لرؤية عاصمة الرشيد عجوزاً قبيحة بمكياج ثقيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram