 سرمد الطائيكنت مع آلاف بني البشر صباح الاثنين، أشارك في "مسيرة تحملية" على اتوستراد محمد بن القاسم الثقفي، وأثناء ذلك رحت استذكر مشية هذا القائد التاريخي وجيشه الذي انطلق من العراق وفتح بلاد الهند والسند بفيالق تضم حتى "الزط" وهو اسم يطلق على بدو الهند، لتأسيس ما يعرف اليوم بالباكستان.
تمشي على المجسرات التي تستدير حول المدينة، وتطل على شوارع قلب العاصمة فترى كل السيارات متوقفة لا تكاد تمشي. سألت نقطة تفتيش: ما الحكاية اليوم يا شباب؟ أجابني احدهم: أنت فلان.. نراك تتفلسف على شاشات التلفزيون، قل لنا أنت ما الحكاية. نحن لا نعلم شيئا فقد طلبوا منا البقاء في الإنذار وتشديد الإجراءات فتوقف السير.لكن القمة لن ينتظم عقدها قبل 10 ايام. ولدينا قبلها مناسبات كثيرة بينها "النيروز" الذي يفترض ان نشهد خلاله سفرات وفسحات ومسرات، احتفالا بقدوم الربيع. وكيف ستتيسر الفسحات والجيش في انذار، والشعب يقطع الطريق ماشيا على جسر القائد التاريخي محاكيا مسيرة العرب والعجم و"الزط" لتحرير بلاد السند وما والاها؟لكننا وبعد ألف و300 عام على المسيرة التاريخية لفيالق الفتى الثقفي الذي انطلق من البصرة والكوفة و واسط، عين الإمبراطورية وقلبها، لفتح الدنيا.. تحولنا من امبراطورية الى "مخيم لاجئين" عملاق. والعراق الذي رأيته وأنا امشي بين الحشود على المجسرات، لا يشبه سوى "كامب" لاجئين يريد ان يستضيف (رغم انف كل الظروف) قمة احفاد محمد بن القاسم الثقفي، وحراسهم من عرب وعجم و"زط" .ولأننا مخيم لاجئين فإن من الطبيعي ان نمشي على اقدامنا، فالناس في المخيم لا تمتلك سيارات. ولذلك ايضا فإننا نخضع للتفتيش 10 مرات يوميا، لان اللاجئين متهمون. ولأننا مخيم فإننا لا نمتلك مخابرات ولا طائرات مقاتلة تفتش شحنات الاسلحة الايرانية المارة فوق رؤوسنا نحو سوريا، كما لم نتعلم بعد كيف نستخدم فلوس النفط لبناء محطة كهرباء، او لرفع القاذورات.ولان حكومتنا مجرد ادارة لمخيم اللاجئين فإننا نتفاوض مع الكويت على "حرية الملاحة في خور عبد الله" والادارة المشتركة لميناء مبارك الكويتي، اذ لا يليق بنا ان نشيد ميناء عراقيا كبيرا، والافضل ان نقبل بواقع الحال المتردي داخل مخيمنا العملاق ونشعر بالسعادة لو منحتنا الكويت نسبة في اسهم مينائها مقابل ان نتخلى عن احلام جوزيف حنا الشيخ وكل القباطنة و"النواخذ" العراقيين.ولاننا مخيم لاجئين فإن قادتنا مجرد مسؤولين في المخيم هذا، يتقاتلون داخل معارك صغيرة تليق بمخيمات النزوح والنكبات والكوارث الطبيعية، ويتناسون المعارك التي تليق برجال الدولة.مشكلة مخيم اللاجئين الذي اسمه العراق انه يحوي اكبر احتياطي نفط في العالم. وهنا داخ هذا العالم بمخيمنا هذا، فنظم الحروب وأخفق في تقديم مساعدة لنا، ثم قرر الانزواء بدوره داخل مخيمات في الصحراء منقطعة عن السكان وصراعات الساسة، وراح يشرع بمحاولته الاخيرة معنا عله يفلح هذه المرة.لقد قرر مخيم اللاجئين الكبير ان يستضيف قادة العرب. فارتبك مسؤولو المخيم واحتاروا، فلا شارع في المخيم يليق بالأمر، ولا امن. كما ان مشهد الشعب الذي يقلد "مشية" بن القاسم التاريخية، بسبب خطة طوارئنا.. هو مشهد يشعر الجميع بالحرج. وكنت يوم امس في ازقة شارع السعدون التي يبدو للمرء داخلها ان القيامة قامت، بسبب الفوضى والاهمال. فتخيلت كيف ان عاهلا سعوديا او مغربيا يمر عبر هذه الأزقة، فيسأل عاهلهم عاهلنا وهو يشاهد العمران الرديء والصيانة البدائية وطريقتنا الصعبة في تنظيم الحياة: ماذا كنتم تصنعون في الألفي عام الأخيرة؟ أين كل خبراتكم يا ناس؟وبعد 9 اعوام على محاولة اكبر مخيم لاجئين في العالم، للتحول الى دولة.. يضطر الشعب ان يقلد مشية القائد التاريخي طيلة 9 ايام تفصلنا عن انعقاد القمة واجراءاتها القاتلة. الشعب يمشي لا لكي يفتح سندا او هندا، بل لكي يتعايش مع اجراءات حكومة مرتبكة.. لانها تستضيف العالم العربي في ازقة وشوارع ينتج بؤسها ومصائب اهليها النازحين داخل وطنهم، مشاهد من "قيامة" نادرة.