عالية طالبحوصرت أنا وسيارتي لثلاث ساعات في طريق يستغرق اجتيازه 10 دقائق بسرعة السير الداخلي و3 دقائق بسرعة السير الخارجي، 3 ساعات وأنا أتوجه إلى عملي وأفكر بالهدر الإنتاجي الذي ضاع مني دون إرادتي وإرادة من أحصيت عدد سياراتهم التي أطبقنا فيها أنا وهم على صدر الشارع الذي لم يعد حتى رصيفه يسمح باحتوائنا!!
ولأنني لا أجيد الدخول في أوقات الفراغ واشعر بالبلادة إن مرت علي دقائق دون إنتاج فاعل، فقد أضناني هذا الوقت القاتل الذي لم أجد ما يبدده غير الاستماع إلى نشرات الأخبار وتعليقات المواطنين واتصالاتهم عبر محطاتنا الإذاعية التي دخلت في سياحة تعريفية مع اغلبها وأيضا دون إرادتي!!عاندني الطريق الذي كنت أتحرك فيه كل خمس دقائق بمسافة مترين أو ثلاثة ، وأصغيت إلى نبرة الألم في صوت مذيعة تقول إن القمة المرتقبة في العراق ستكلف الدولة 100 مليار و800 مليون دولار!! رقم مهول ومفزع جعلني أغدق على الرجل الذي ما انفك يمسح زجاج سيارتي وسيارات من حولي ليبدد وحشتنا الترابية، بمبلغ جيد وكأنني اشعر بالذنب نيابة عن دولتنا التي ستبدد هذه المليارات فيما مواطننا يفترش الأرصفة بحثا عن رزق يسد به جوع عائلته واحتياجاتهم، صوت المذيعة يطاردني وهي تمط الرقم بغصة وأنا تندلق أمامي صور أمهاتنا اللواتي يجرجرن سنوات المرض والأوجاع وخطوط العمر ويغطين وجوههن ويتوسلن بالآخرين في كل التقاطعات العراقية، صور أطفالنا وهم يعرضون بضائع المناديل والألعاب والحلوى، صور الشيوخ وهم يحملون علب الدخان والصحف ويتقافزون بين طوابيرنا "الأمنية" ليتحصلوا على رزق يعالجون به بطالتهم التي لا تهم "دولتنا" كثيرا بقمتها المرتقبة التي ستعالج فيها مشاكل المنطقة العربية وربيعها الذي لم نعد ندري أهو فعلا اخضر أم اصفر خريفي!! كنت أحاول الصمود بتفريغ وجهي من انزعاجه وأنا أهدئ وجع قدمي التي سقط عليها جهاز الإضاءة صباحا بسبب الظلمة اليومية التي نعيش فيها مع غياب الكهرباء التي كان من الممكن معالجتها منذ عام 2004 بعد أن غيرنا الديكتاتورية إلى الديمقراطية التي تحفظ ثروات البلد وتعيد توزيعها بعدالة على كل ما يخدم الشعب ويغير واقعه المتردي!!كنت أحاول ترويض نفسي على تقبل مرور الساعات الثلاث وانا افكر بأن هناك ثلاثا غيرها ستنتظرني حين العودة وربما اكثر بقليل او كثير، لكنني فشلت تماما في فهم ضخامة مبلغ نفقات القمة التي لو لم نخطط لاستقبالها لكنا أعدنا بناء العراق بأبهى صورة في كل محافظاته شرط ألا يشرف على الإنفاق احد من سراق موارد هذا الشعب المبتلى بفشل أجهزته في كل المجالات.كنت اعتقد أنني بخير حين وصلت إلى نقطة التفتيش المتسببة في وأدنا لكنني تأكدت أن وجهي ليس كذلك حين طلب مني رجل الأمن الذهاب إلى التفتيش لكنه استدرك حين نظر إلى وجهي: لا ,, لا ,, لا تذهبي أكملي سيرك!! ترى ما الذي رآه في وجهي فأرعبه؟ هل كان سؤالا عن 100 مليار و800 مليون أم عن هدر جهودنا في انتاج ما يخدم هذا البلد المكتظ بالغصات؟
وقفة: قمة المئة مليار
نشر في: 19 مارس, 2012: 09:37 م