هاشم تايه في كلمته التي ألقاها في حفل توزيع جوائز الأوسكار العالميّة بعد فوز فيلمه (انفصال) بجائزة أفضل فيلم سينمائي ناطق بلغة أجنبيّة حرص المخرج الإيرانيّ أصغر فرهادي على تبديد انطباعات الحاضرين عن بلاده إيران التي ينظر إليها اليوم، في المجتمع العالمي، كمجرّد مصدر للشرّ، ومنتج للقلاقل التي تهدّد الاستقرار والسلم العالميين...
وكعضو منشق عن الجوقة الكونيّة تُتَّهم إيران، اليوم، بسعيها إلى امتلاك سلاح نوويّ، كما تُتَّهَم بدعمها منظمات توُصَف بأنها إرهابيّة، ومساندتها دولاً مارقة تنتهك حقوق الإنسان، وتقف عقبة بوجه أي مسعى للمجتمع الدولي لتطبيع العلاقات، وحلّ المشاكل، وإطفاء المنازعات بين الدول. وحين صعد فرهادي المنصّة المغمورة بأضواء ملوّنة باهرة ليتسلّم جائزته، وأتيحت له الفرصة ليقول كلمة قصيرة بهذه المناسبة أمام أساطين الفن السينمائيّ وعمالقته، وحيث تُنقل وقائع الحفل مباشرة إلى العالم، استثمر هذا المخرج فرصته في الكلام لا ليتحدّث عن قدراته في صناعة فيلم مبهر، بل تحدّث عن شعبه، ودافع عنه، مجتهداً في الكشف الطاقات المبدعة لهذا الشعب، وعراقة حضارته، وروحه الحيّة المتطلعة إلى الإسهام في الإبداع العالميّ بخصوصيّة ما يمتلك من قدرات. وكما لو أن هذا المخرج قد عاني من الألم بسبب الصورة القبيحة التي يرسمها الإعلام العالمي لبلاده، وهي صورة لا تسرّ أحداً من الإيرانيين، فإنه، بشكل ضمني غير مباشر، ألقى باللائمة على سياسة بلاده، ملمّحاً إلى أنها السبب فيما يشاع عن شعبه..استخدم فرهادي في كلمته القصيرة الاستعارة فقال إن "تراب السياسة" في عالمنا قد طغى على كلّ شيء، وبات ينظر إلى الشعوب، وبينها الشعب الإيرانيّ، بمنظار السياسة التي تنتهجها الدول، وأصبحت هذه السياسة من الطغيان بحيث صار بوسعها أن تغطي حقائق الثقافات التي تعيش بها الشعوب وتجسّد شخصيّاتها..كأنّ فرهادي، أراد أن يزحزح النظرة الأحاديّة المتعلقة بالسياسة التي يرى بها العالم أيّ شعب من الشعوب، ويقيّمه على أساسها.. كأنّه أراد أن يقول إنّ السياسات المشينة تتحمّلها الأنظمة، وتقع كوارثها دوماً على الشعوب، وذلك ما حصل للشعب الإيرانيّ نفسه.. أمرٌ بالغ الدلالة أن فيلم فرهادي تغلّب على الأفلام التي نافسته على جائزة الأوسكار المخصّصة لأفلام ناطقة بلغة أجنبيّة، وكان بينها فيلم إسرائيليّ عنوانه Footnote)) ترشح هو الآخر لنيل هذه الجائزة.شيء آخر خفف من غلواء السياسة، هذه المرّة، بالتغاضي عنها من قبل اللجنة التي تولّت عملية ترشيح الأفلام المتنافسة على الجوائز؛ فعلى الرغم من توتر العلاقات بين إيران وأمريكا، إلاّ أن ذلك لم يمنع لجنة الحكّام من ترشيح فيلم قادم من إيران، الدولة المكروهة من قبل عالم يهيّئ نفسه لمواجهتها في معركة فاصلة.أخيراً:كم بوسع ثقافة مبدعة حيّة لشعب من الشعوب أن تغيّر نظرة العالم إليه، فتجعله يحظى بالاحترام، والحفاوة حيث يحلّ بعيداً عن إثم السياسة المغامرة للنظام في بلاده..ولقد قيل إنّ من بين ما سهّل على إحدى الدول الصغيرة الانضمام إلى المنظمة الدولية والاعتراف بعضويتها فيها، أن تلك الدولة الصغيرة أقامت في نيويورك معرضاً لتراثها وفنونها التي أبدعها شعبها، فوجد أعضاء المنظمة الدولية أن شعباً يمتلك مثل هذا الإبداع يستحق الاعتراف به في دولة مستقلة تجلس على كرسيّها الخاص بين الدول الكبيرة.
تراب السّياسة
نشر في: 21 مارس, 2012: 07:12 م