TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > تأملات في اللغة والفكر.. عجز الدارجة وانقطاع الفصحى

تأملات في اللغة والفكر.. عجز الدارجة وانقطاع الفصحى

نشر في: 10 أكتوبر, 2009: 03:04 م

(2-2)حكمت البخاتي2. مصادر الدارجة في المعرفة:إذا كانت اللغة عاجزة عن التفكير الممنهج فهي غير قادرة على إنتاج الأفكار أو الابتكار وتكون كذلك قدرتها الحوارية محدودة نتيجة عدم تعاطي المفهوم الفكري بالنسبة اليها والكاشف عنه افتقادها القدرة على إجتراح المصطلح المعبر عن مضمون الفكر أو حيثيات المفهوم
وبالتالي فإنها لا تستطيع التواصل الذي بواسطته تنفتح آفاق الفكر وينمو ثراء المعرفة فالدارجة نمط من الكلام اللا حواري ويوازي بكليته ما أسماه شرابي بالمقال اللا حواري في الفصحى الذي يتأكد حضوره أو يستحضر هذا التأكيد بذاته وفق شرابي حين يلح على الحقيقة المطلقة والمرتكزة الى الوحي في ثقافة الفصحى لكهنا أي الحقيقة ترتكز في اللغة الدارجة أو المصدر فيها تجربة إجتماعية – تاريخية وهي في الغالب موروث صراعات سياسية وإجتماعية أرهقت مجتمعات اللغة الدارجة وجعلت الحقيقة تستنتج بها في هذه المجتمعات فالنص غير مقروء في مثل هذه المجتمعات كونها مجتمعات شفاهية أو أمية وبذلك تتزود بالتجربة كمصدر أساسي لديها في المعرفة والتفكير ثم حتى بعد انتشار القراءة في مجتمعاتنا إلا أن التعامل مع المعرفة بطريقة الشفاهية أو الدارجة انعكس على قراءة النص في ثقافتنا وإحدى صوره هي القراءة بالفصحى والتفكير في هذا النص المقروء بالدارجة ما أدى الى إزدواجية الفكر المعرفي في ثقافتنا واختلاف مصادر المعرفة والحقيقة في كلا اللغتين.وإذا كان الوحي مصدر المعرفة والحقيقة في الفصحى وقد عبر عنها بنصوص ومدونات التراث العربي والإسلامي فإن الحقيقة الاجتماعية وهي نوع من المعرفة الشفاهية في مجتمعاتها يعبر عنها بواسطة جملة من الأمثال والحكايات التي اختزنتها الذاكرة الشعبية وبنت نظامها الاجتماعي والمعرفي على ضوئها في مجتمعات الشفاهية هذه ِ.وقد اختفت مصادر الإنتاج المعرفي في سرد الأمثال والحكايات بفعل اختفاء الواقعة الاجتماعية التي كانت تغذيها وتمدها بمقومات الديمومة والانتاج في مجتمعات البداوة والريف نتيجة زحف التمدن الزائف صوب مناطق الريف العربي ودخول الصناعة وأنماطها الاجتماعية والاقتصادية المشوهة على حياتنا لكن اللغة الدارجة استعاضت بالطرائف أو (النكات) بديلا ً عن المثال والحكايات الشعبية وطبيعة الطرفة أو (النكتة) ذات مضمون فكري سطحي وهازىء ساخر يعكس حالة التشويه والإرباك الحاصل في حياتنا ومجتمعاتنا وتنبعث عن واقع العلاقات الاقتصادية المتسمة باللا تكافؤ وقد أفرزت غياب المساواة وافتقاد اليسير من الحقوق في ظل أنظمة سياسية سعت الى تغييب الحقوق والاستحواذ الاقتصادي على منابع الثروة والتجارة في بلادنا. إن الأمثال في تعبيرها عن الحقائق لا تبتكر شيئا ً وحتى الطرائف أو (النكات) على مستوى نمط أدبي جاد وإنما تقوم بعملية كشف مجرد لا ينفع المعرفة شيئا ً وتزود السامع بالحكمة في أعقاب الحدث فهي نوع من كلام تعاقبي غير متزامن مع لحظة وقوع الحدث أو قبله.وبما أن اللغة الدارجة لا تتبنى آليات منتجة في التفكير أو تكون جزءاً من آليات إنتاج أفكار مهمة ورائدة في مجال الإبداع والتطوير المعرفي فإنها لغة مكررة تعاد مفرداتها وألفاظها باستمرار ما يجعل منها كلاما ً مسموعا ًًًً فحسب وتكون مجتمعاتها سامعة مطيعة تفتقد قابلية الحوار أو التردد في قبول الحقائق التي ينقلها اليها الكلام الشعبي ذلك أن لغة هذا الكلام هي لغة غير مفكرة فلا تنتج معادل الأفكار في الحوار.3. الدارجة وغياب المبادرة الفردية:تمتلك العنعنة دورا ً تقويميا ً في الثقافة الإسلامية في ذروة ازدهارها الحضاري وتشكل التصاقا ً مهما ً بثقافة الفصحى وهي تعكس بذلك مدى اهتمام الحضارة والثقافة الإسلاميتين بالمبادرة الفردية حتى بلغ الأمر باجتراح هذه ِ الثقافة لمصطلح وعلم الجرح والتعديل أو علم الرجال وتكونت الفرق الكلامية بأسماء أصحابها من الفقهاء والعلماء ضمن مذاهب الإسلام الكبرى من معتزلة وشيعة وسنة وخوراج وهو ما أكسب هذا البعد الفردي في إنتاج الفكر والفقه الإسلاميين دورا ً مهما ً في المكون الحضاري الإسلامي وتطويره بإمكانات المبادرة الفردية الذاتية والموضوعية التي هيأها الإسلام بإيمان الفرد ومكانته ضمن الأمة التي سعى الإسلام الى تكوينها.لكن اللغة الدارجة وفي عملية النقل الشفاهي الذي تمارسه لا تنقل عن فرد أو عن فردية متسلسلة إنما تنقل معارفها وثقافتها عن الكل وفي نطاق وعي جمعي تضيع فيه رؤى أفراد وأشخاص استثنائية تعاكس هذا الوعي وتخالفه وهو ما يفسر في مصادر التراث الشعبي وفي طرق الرواية غياب أسماء أفراد أو هوية أشخاص محددة إنما هي هوية غائمة وعائمة في مجتمع اللغة الدارجة والنقل الشفاهي غير الموثق بالكتابة ما يثير مسألة افتقار الاهتمام بالمبادرة الفردية في منظومة الثقافة الشعبية والمعرفة الشفاهية وهنا لا أعني أبطال الحكايات الشعبية أو أسماء أصحاب الأمثال الدارجة إنما أفتقد أولئك الذين نظموا هذه ِ المعرفة من قصص وأمثال وحكايات وطرائف. فقد أهملت مصادر هذه ِ الثقافة أسماء مؤلفي ومبتدعي تلك الأداب ولم يعرف رواتها ونقلتها وهو ما يعد تقصيرا ً معنويا ً ومعرفيا ً بحق هذه الأسماء الأدبية المهمة إفتراضا ً ويؤشر تراجع روح المبادرة الفردية في الاهتمام المعرفي والأدبي ومن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram