وديع غزوانلانظن أنه من باب المصادفة اختيار آذار توقيتاً لأسطورة "كاوه " الحداد و ثورته لإنقاذ المنطقة من جرائم السلطان المستبد الضحاك ، ففي هذا الشهر تعلن الحياة تجددها وتضحياتها لتبدأ دورة الفصول من أجل الإنسان وسعادته ، ولهذه المعاني أيضا كان عيد الأم متزامناً مع نوروز الخير والأمل .
وقد اعتاد العراقيون جميعاً الاحتفاء بهذا اليوم منذ أقدم العصور كلاً بحسب طريقته ،غير أنّ لاحتفالية الكرد طابعها الخاص والمتميز سواء بالاستعداد لهذا العيد أو بالدبكات والملابس التي تتوزع فيها الألوان لتنسجم وجمال الطبيعة . . الأهم في كل ذلك أن العراقيين في هذا اليوم يصطفون مع إخوانهم الكرد في إقليم كردستان أو أي مكان آخر ، ليؤكدوا عمق ما بينهم من مشتركات عززتها عقود طويلة من المحن والويلات عاشوها معاً .لم تتسن لي فرصة التوجه إلى كردستان غير أني عوضت عن جزء من ذلك بمتابعة فعاليات الاحتفالية المركزية في أربيل التي حضرها رئيس الإقليم مسعود بارزاني تلفازياً ، وكان أجمل ما فيها تلك المشاركة الواسعة لمواطنين من بغداد والبصرة وذي قار وصلاح الدين والرمادي وغيرها ، إضافة للحضور الفاعل لفرق فنية من محافظات العراق كالخشابة وغيرها في إحياء أمسية ذلك اليوم ما أضفى عليها صفاءً يليق بروح العراقيين الطيبة التي عجزت السياسة عن تخريبها وتلويثها ، فكان الفرح عرقياً خالصاً بامتياز .في بغداد لم تمنع التفجيرات الإجرامية التي سبقت يوم نوروز العوائل من اقتناص فرص لتوفير الفرح لأطفالهم في ذلك اليوم النوروزي ، فتجاوزوا كل المنغصات بما فيها تلك الاختناقات التي سببتها الإجراءات الأمنية الجديدة بسبب قرب انعقاد القمة وإغلاق بعض الشوارع فتوجهوا إلى الزوراء والحدائق العامة الأخرى ، وبعضهم ربما توجه إلى منطقة سلمان باك كما كان يحدث في أيام زمان . حركة العوائل والناس في الشوارع كانت تعلن عن هذا اليوم رغم العطلة الرسمية المعلنة ، وكأنهم أرادوا أن يوصلوا رسالة لكل أعداء العراق بعربه وكرده وتركمانه وغيرهم بأنهم الأقوى والصلب . . وأنهم بعد كل ما قدموه من تضحيات لغد جديد لا يمكن أن يضعفوا أو يستسلموا .. صحيح أن الأخطاء ليست بالقليلة لكن ما تحقق أيضا لا يمكن تجاوزه . قد يبدو للبعض خروج الناس للتنزه في ضوء كل تلك الظروف الصعبة في بغداد وبقية أنحاء العراق عدا كردستان ، نوعاً من البطر أو اللاأبالية ، لكن الخوف حد الاستكانة والعزوف عن الأعمال وتعطيلها هو ما يريده الإرهابيون ، لذا فإصرار المواطنين على ممارسة فعالياتهم الاعتيادية هو أمضى جواب وأنفع ، حتى وان لم يكونوا يقصدون ذلك بل يمارسونه على وفق الفطرة التي عصرتها قسوة الظروف .. العراقيون اليوم وهم يودّعون أعزاءهم من الشهداء يمنحون نوروز عنواناً آخر للأمل .
كردستانيات: نوروز والأمل
نشر في: 21 مارس, 2012: 08:32 م