سعاد الجزائريمنذ وصولي الى العراق وبعد غياب امتد لاكثر من عقدين، بدأت بمعاملات اعادة واصدار الاوراق التي تثبت عراقيتي بعدما تخلى عني الوطن بشكل قسري، وغادرته بشكل قسري ايضا...الدورة التي يمر بها المهاجر تبدأ بمراحل طويلة لا تنتهي الا بانتهاء عمرنا،
وفعلا توفي الكثير من العائدين او الذين رغبوا بالعودة ومعاملاتهم مازالت حية تشهد على هذا الغياب والعودة التي لم تكتمل.(الارشيف احترق وليس لدينا ما يثبت انك كنت موظفا هنا( عبارة تواجه العائد فقط، والذي يريد ان يعيد نسيج علاقته بأهله والوطن اللذين لم يختر تركهما، بل يومها كان هذا العائد بمواجهة خيارين: الاول السجن او الاعدام، والثاني الرحيل، فاختار الكثير منا الرحيل، ومنذ لحظة الاختيار هذه، ترك روحه وذكريات ومشاريع معلقة على ان يعود بسرعة ليكملها، لأننا نشبه الفلسطينيين حينما غادروا عام 48 وتركوا ملابسهم منشورة على حبال الغسيل على اساس ان العودة ستكون قبل جفاف الملابس، لكن عودتهم طالت، وفقدوا ليس ملابسهم حسب بل الكثير من أحبتهم من اجل قضية كانت مركزية قبل ان اولد، وما زالت هي الاولى لكنها ليست الاخيرة، لان قضايانا المركزية والثانوية قد ازدادت، وتراجعت الاولى الى الوراء..دخلت الكثير من الدوائر، وعلى الرغم من ان الكثير وبضمنهم المسؤولون في الدولة، يعرفون اني من المعارضة، من المهد، وسأبقى الى اللحد، لكن احدى الدوائر اتهمتني بأني كنت على علاقة بالنظام السابق، لم أعلق على الموظف بشيء سوى اني سحبت فايلي واوراقي وغادرت المكان، وشعرت اني في بلد اخر وليس عراقي الذي اعرفه..لكني عدت لاحقا الى تلك الدوائر لاني لا استطيع ان اصادر عراقية ابني وابنتي، اللذين ولدا خارج بلدهما، واختار ابني طوعا منذ 2004 ان يعود للعراق ويعيش فيه، في الوقت الذي يحلم الالاف من الشباب بالسفر الى الخارج. عدت لكي اسجلهما رغما عن انف كل من يريد ان يصادر حتى الانتماء الذي ليس لنا سواه.وخلال المراجعة، قصدت دائرة الاحوال المدنية – الكرخ، دخلت المكان المزدحم بمراجعيه، واثناء سؤالي عن الجهة التي اقصدها ارشدني احد الحراس بزيه العسكري الى المكان المعني، لكني لاحظت عسكريا برتبة لواء يقف وسط الساحة محاطا بالمراجعين وبمجموعة من العسكريين، فتخيلت انه مسؤول يريد مثلي ان يستحصل على هوية احوال مدنية لاحد افراد عائلته.. تركت المشهد وتوجهت الى الجهة المعنية بقضيتي، لاول مرة ارى تعاملا بمنتهى الادب، والكل يحاول ان يساعد على اكمال ما اسعى اليه، بل ويشرحون لي كل التفاصيل، لكي تسهل معاملتي، ولم ار في أعينهم ما اراه في دوائر اخرى، تلك النظرة التي تريد طردي، لاني كنت في الخارج، فالسائد في نظر كثيرين ان من عاد فمن اجل منصب او مصلحة مادية، وانا والحمد لله، وتشهد على ذلك الحكومة الحالية والسابقة، لم احصل على فلس، رغم ان هذه العملة قد انقرضت، لا من الحكومة الحالية ولا من السابقة، وليس لي اي منصب وظيفي، رغم اني قضيت سبعا وثلاثين عاما في مهنة الاعلام. لا اعرف احدا في هذه الدائرة، ولم اسع الى وساطة احد لكي تسير اموري، لكني خلال المرات العديدة التي راجعت فيها، كان ذاك العسكري محاطا بالناس وسط ساحة المراجعين ايضا، فعرفت لاحقا انه المدير العام لهذه الدائرة، اللواء هيثم الغرباوي، والذي يقضي اكثر يومه، مع المقدم حسن الدوري مدير شؤون الاحوال المدنية، متنقلا بين المراجعين، لكي يراقبوا اداء دائرتهم.لم اصدق ان هذا يحصل في العراق، وربما لا يصدقني احد، لكن الدليل اكبر برهان، والدائرة ليست بعيدة.. وان هذا الامر حدث في العراق وليس في بلد اخر..كتبت هذا المقال بعد ان انجزت كل مراجعتي وحصلت على ما اريد، وتجنبت الكتابة عنه خشية ان اتهم بالفساد.
حدث هذا فـي العراق
نشر في: 21 مارس, 2012: 09:14 م