علي حسين عبيديولد الإنسان طفلاً، صفحة بيضاء، يكتبُ الأبوان ما يريدانه فيها، ثم يكتب المحيط العالي ما يريده فيها، ثم يبدأ دور الحضانة بدور الكتابة في صفحة الطفل البيضاء، ثم المدرسة في مرحلتها الابتدائية، فتبدأ تتشكل شخصية الطفل الإنسان (رغباته وميوله وأخلاقه وطبيعة أفكاره وسلوكه) استنادا الى ما يُكتب في هذه الصفحة.
هنا يتضح لنا أن شخصية الانسان تتشكل بعيدا عن تدخله الشخصي أو رغباته هو، حيث تكون صفحته البيضاء عرضة للتدوين من لدن الغير، إلا هو فلا يتدخل في ملء هذه الصفحة الشخصية بأفكار أو ميول سواء كانت جيدة ام خلاف ذلك.في مرحلة الشباب أو بعد دخول الانسان سن البلوغ، حين يصبح عمرهُ 14 يبقى فاتحا صفحته للآخرين وهم الاكبر منه سنا ايضا، ويمكن أن نطلق عليهم بـ الآباء، حيث يستقبل منهم الأفكار والتوجيهات ويتعلم منهم التجارب والسلوكيات المختلفة، وتستمر شخصيته بالتشكل وفقا لما يقدمه له الآباء من مساعدة فكرية وعملية، وقدرات على تنمية مواهبه ومهاراته وامتصاص طاقاته، وتبعا لذلك سينجح الشاب أو يفشل، فإذ وجد التوجيه الجيد سينجح، واذا تخلص من الفراغ بطريقة مناسبة سينجح، واذا تمكن من تصريف طاقاته في الاتجاه الصحيح بمساعدة الآباء (رسميين أو أهليين) سينجح أيضا..الآن سأطرح السؤال التالي، إذ كنا نتفق على الكلام أعلاه، كونه صحيحا ولا يختلف عليه اثنان، إذن لماذا نرجم شبابنا، أو ما يُطلَق عليهم الإيمو؟.ألا يعني الكلام أعلاه، أننا اشتركنا في كتابة صفحاتهم وتشكيل شخصياتهم، فتحولوا الى هذه الظاهرة الغريبة عن ملامح مجتمعنا؟.إننا أيها السادة الآباء (الحكوميين، والآباء الفعليين، والمثقفين، ورجال الدين، ونخب المجتمع كافة) نقترف جريمة بحق أولادنا، ونستحق عليها الرجم، أما السبب فلا يختلف عليه اثنان أيضا، لأننا لم نكتب الصحيح أو الذي نريده في صفحاتهم.لم نخلق لهم فرص العمل المطلوبة، ولم نملأ فراغهم كما يجب، ولم نستثمر طاقاتهم، ولم نطور مواهبهم ومهاراتهم، لم نبن لهم وسائل الترفيه المناسبة، ولم نقم بواجبنا تجاههم حتى في مجال الثقافة والوعي، إننا أيها السادة (الآباء) نستحق العقوبة والحساب، لأننا تركنا شبابنا عرضة لموجات الغرب وسواه التي تفد إليهم عبر الأقمار الصناعية والستلايت والموبايلات وكل وسائل الاتصال الفورية، ناهيك عن الصرعات الجديدة في اللبس وتسريحات الشعر والأكل والموسيقى الصاخبة وما الى ذلك.لقد وجد شبابنا أنفسهم وجها لوجه أمام غول الفراغ والظواهر الغريبة التي داهمتهم وهم يخوضون في معترك الفراغ والبطالة والاهمال من الآباء (الحكومة والجهات المعنية الاخرى)، ولأننا فشلنا في القيام بواجبنا الصحيح ومسؤولياتنا تجاه شبابنا، انحرفوا الى (الإيمو) والى غيرها من الظواهر، وبدلا من أن نعترف بأخطائنا الفادحة في هذا المجال كآباء ومربين مقصرّين، أقمنا على أولادنا الحد، وبدأنا برجمهم أو قتلهم أو مطاردتهم، لكي نتملص من مسؤولياتنا وأخطائنا التي نستحق عليها العقوبة قبل أبنائنا.أيها الآباء، يا حكومتنا الرشيدة، أيها النخب، أيها المجتمع الذي لا يريد أن يعترف بأخطائه مع أن (الاعتراف بالخطأ فضيلة) لا تقتلوا شبابنا، وعليكم جميعا أن تتحلوا بالشجاعة وتكفوا عن ملاحقة هؤلاء، وتعترفوا بارتكابكم الخطأ الاول والاكبر تجاههم، وعليكم جميعا أن تبادروا الى:-امتصاص فراغ الشباب.-تطوير مواهبهم ومهاراتهم.-انتشالهم من غول البطالة وبطشه.-توفير الاماكن الترفيهية الملائمة.-فتح دورات التدريب المهاري.-توسيع وزيادة ملاعب الرياضة والمسابح.-احترام كرامة الشاب ومظهره وجوهره.-المرجعيات والنخب كافة تقوم بدورها التثقيفي لزيادة الوعي.بهذا نكون قد كفّرنا عن بعض أخطائنا تجاه شبابنا، وملأنا صفحاتهم البيضاء بما يحميهم من الانحراف نحو الإيمو أو غيرها، ترى هل سنعلن نحن الكبار اعترافنا بالخطأ الذي ارتكبناه في وضح النهار، وهل سنبدأ فورا بتغيير التعامل مع أطفالنا، شبابنا، أبنائنا، فلذات أكبادنا؟، الأمر متروك للكبار طبعاً.
رجمُ الآباءأم الأبناء؟
نشر في: 23 مارس, 2012: 07:59 م