احمد المهنابغداد مدينة معذبة على يد هذه الحكومة. والمعذبون فيها درجات. أولهم سواق سيارات الأجرة بكل أنواعها عموما، وسواق التاكسي خصوصا. المشوار الذي يتطلب قطعه في الظرف الطبيعي ثلث ساعة بالكثير أصبح معدله ساعتين. والسبب هذا العدد الهائل من السيطرات والنقاط العسكرية.
أحيانا يرتفع المعدل الى ثلاث ساعات. احيانا اخرى ينعدم أمل الوصول الى الهدف كليا. أمس حاولت الوصول الى شارع المتنبي. أوقفت ثلاث سيارات تاكسي وجميعها رفض نقلي. الطرق مقطوعة مولانا. آسفون. الرابع هداه الله ووافق. ومن حي حطين، أحد توابع المنصور، انطلقنا. حاول الرجل نقلنا عبر ثلاثة اتجاهات. فشل في الوصول.عدنا فإذا بطريق العودة مقطوع. جزنا من العنب ونريد سلتنا. وبالشافعات تمكنا من العودة الى البيت. سائق التاكسي قرر بدوره العودة الى منزله، وهو محتقن الى الآخر. يوم الخميس الذي قبل أمس، روى لنا سائق تاكسي آخر قطعة من العذاب.وأنت تستغرب: كيف يتحمل السواق هذا الوضع المزري؟ ألا توجد لديهم نقابة؟ وماذا تفعل هذه النقابة إن وجدت؟ ألا يعرفون طريقة من طرق الاحتجاج؟ ألم يسمعوا بالمظاهرة؟ ألم يفكروا بالإعتصام؟ ما الذي يشلهم؟ مم يخافون؟إن أعمال الإحتجاج غالبا ما تحتاج الى قيادة والى تنظيم. وكلاهما على ما يبدو غائبان عن هذه الشريحة. وكل شريحة من دون قيادة ومن دون تنظيم هي بحكم العدم. فمن لا يعرف أن يمثل نفسه عبر قيادة وتنظيم لا يستطيع أن يحقق لنفسه مصلحة أو ينال حقا.ماذا عن مستخدمي سيارات الأجرة والسيارات الخصوصية؟ انهم عمال وموظفون وطلبة. وجميعهم متضرر من غياب نظام مرور سلس في بغداد. ألا توجد لدى هؤلاء جميعا نقابات واتحادات تمثلهم؟ واذا وجدت فلماذا لا تحتج على هذا العناء المجاني؟ هل هي موجودة لكن قياداتها مشتراة من الحكومة؟ وإذا كانت قياداتها كذلك فلماذا لا يطاح بها وتستبدل بغيرها؟حين تدور في بغداد فإنك ترى الكثير من اسماء النقابات والإتحادات الخاصة بمختلف شرائح القوى العاملة والطلابية. ومن دون أدنى شك فإن جميع هذه القوى متضرر ابلغ الضرر، ومرهق غاية الإرهاق، من أزمة المرور. وهذا يعني بكل بساطة ان شعب بغداد موحد في المعاناة من أزمة المرور. فلماذا لا تقود هذه النقابات والاتحادات احتجاجا من أي نوع للمطالبة بحل أزمة المرور؟ لماذا يسكت شعب بغداد؟إن الجميع يعلم أنها أزمة مفتعلة. الحكومة تتحجج بأن هدف السيطرات العسكرية مكافحة الإرهاب. وهذا السخف لم يعد ينطلي على أحد. فيد الإرهاب مازالت طويلة ولم تقصر السيطرات على مدى تسعة أعوام من طولها سانتيما واحدا. والأمر الواقع هو أن الشعب صار ضحية مزدوجة للإرهاب والحكومة معا. الأول يقوم بقسطه تجاه الشعب بالمفخخات والعبوات والكواتم. والثانية تقوم للشعب بالواجب من خلال العسكرة التي تملأ المدينة بأجواء الخوف.وهكذا فإن بغداد تعيش بين تقتيل وتخويف. تقتيل متقطع وتخويف دائم.وشعب بغداد يائس من أمكانية الحكومة على حل أي أزمة. هذه قناعة ترسخت لديه. وهو محق. فلامبالاة الحكومة صارت كاملة تجاه كل ما يسهل أمور الشعب.لكن ما سر لامبالاتنا نحن تجاه أنفسنا؟ ومتى تجف منابع كل هذه السلبية؟
أحاديث شفوية :لماذا يسكت شعب بغداد؟
نشر في: 23 مارس, 2012: 09:49 م