كانت الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى مثقلة بتغيرات كبيرة طرأت على أوروبا والعالم. شهدت السنوات الأولى استيلاء البلاشفة على السلطة في روسيا القيصرية، وتالياً قيام عدد من الثورات العمالية في ألمانيا والمجر قمعت بشدة. بالمقابل ظهرت الحركات الفاشية والنازية كرد فعل على نتائج الحرب العالمية الأولى وتعززت بعد عقد العشرينيات الذي شهد أضخم أزمة للرأسمالية. في هذا الحراك والصراع الإيديولوجي تحولت الموسيقى إلى وسيلة للدعاية السياسية.
فقد انتشرت في برلين مثلاً المسارح الشعبية التي أعتلى خشباتها المغنون ليقدمون الأغاني الاجتماعية الناقدة أو السياسية المباشرة. وكان لفرقة البرلينر انسامبل الدور الطليعي في هذا الاتجاه بفضل تعاون شعراء ملتزمين من مثل برتولت بريشت مع موسيقيين بارعين مثل كورت فايل وهانس آيسلر وبول ديساو، وقدم النتاج الفني عدداً من الممثلين والمغنين الكبار مثل أرنست بوش وجيزيلا ماي، علاوة على زوجة بريشت، هيلينه فايغل. بهذا ظهر ما يعرف بالكاباريه السياسي.افتتح البرلينر انسامبل مسرحه بأوبرا كورت فايل المعنونة أوبرا القروش الثلاثة سنة 1928، وسرعان ما انتشرت أغاني الأوبرا بفضل بساطتها وإيقاعها الجذاب ونصها وحداثتها آنئذ. فقد نهلت من الأغاني الشعبية والتراث، ومن أغاني العمال وتأثرت بموسيقى الجاز الأمريكية. الأوبرا من نوع المسرح الملحمي، وتزخر بعناصر الكوميديا الموسيقية، وتطرح السؤال الأزلي: من هو المجرم الحقيقي.تدور أحداث الأوبرا في لندن العصر الفكتوري، الشخصية الرئيسية للأوبرا هو ماتشيث (ماك الموس Mack Messer)، وهو مجرم ومثال للبطل السلبي. يتزوج ماتشيث ابنة زعيم الشحاذين الذي يكّن العداء له، فيرتب أمر اعتقاله والحكم عليه بالإعدام شنقاً رغم صداقة ماتشيث مع مدير الشرطة بعد أن خدما العسكرية معاً. في الختام يفلت ماتشيث من حبل المشنقة بعد أن يصل العفو الملكي من الملكة فكتوريا، لا بل تمنحه رتبة بارون. ترجمت الأوبرا إلى الانكليزية وقدمت في بريطانيا مبكراً في بداية الثلاثينيات، ثم في الولايات المتحدة وانتشرت لاحقاً. وقد هاجر كورت فايل إلى الولايات المتحدة بعد استيلاء هتلر على السلطة في 1933، وعاش في نيويورك حتى وفاته في 1950. من أعماله المعروفة أوبرا صعود وانهيار مدينة مهاغوني (بريشت، 1930).
كورت فايل وأوبرا القروش الثلاثة
نشر في: 30 مارس, 2012: 07:33 م