TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > (غزالة الصّبا) باحتفاء تشكيلي

(غزالة الصّبا) باحتفاء تشكيلي

نشر في: 30 مارس, 2012: 07:42 م

هاشم تايه (1)ليس غريباً أن يؤطّر معرضٌ شخصيّ للتشكيليّ عبّاس السّعد جلسة احتفاء بـ (غزالة الصّبا)، الكتاب الشعريّ للشاعر كاظم الحجّاج، في طبعته الثانية؛ فالحجّاج، هو الآخر، مارس الرّسم في فترة مبكرة من حياته، ومايزال الرّسم يُرى حيويّاً في قصائده، وينتشر ملوّناً فعل الشعر بألوانه، مُضاعفاً طاقاته، معمّقاً تأثيره..
     إنّ من بين ما يؤسّس لقوّة الأثر الجمالي في هذه القصائد، ويرفع عالياً أداءها التعبيريّ استنادها إلى ظهير بَصَريّ يمثل بمستويين، أحدهما تتقدّم فيه الرؤية البصَريّة فتغدو منطلقاً/ قاعدة تحتيّة لإنشاء تبصّرٍ معرفيّ، وابتكار مفارقة ذهنيّة عبر جدل يتحقق بين المرئي والوعي به:"الدّمعةُ ماءٌ مسجونينتظرُ الحريّةمن حزنٍ.. قادم!"  هكذا يتقدّم المرئي- الدمعة/ الماء في العين- ليُسهّل اصطياد مفارقة/ طريفة وعي، تجعل الدمعة سجيناً لن يتحرر إلاّ بحزنٍ منتظَر..المستوى الآخر يلتحق فيه المرئي بفكرة أو تصوّر، ويظهر كتمثيل عياني داعم لما أنشأه الوعي أوّلاً: "يا قريتنا  لمّي أبناءكِأيّاً ما كانوا‘أو في أيّ مكانيا قريتنامجدُ الرّمانةِ حبُّ الرّمان!"هذا المستوى من مستويي حضور المرئي في النصّ الإبداعي له النفوذ في أعمال قرين الشاعر الحجّاج، الرّسّام عبّاس السّعد؛ فرؤيته السّرياليّة- والسرياليّة تأليف عقلي بالصورة مهما قيل عن مصادرها المقيمة في الأحلام، والهلوسات، واللاوعي- تجعل المرئي يظهر في نصّه التشكيليّ كتمثيل لفكرة بزغت في الذهن، أو لمفارقة صادمة نظّمها عقلُ الخيال، لو استوى المفهوم. والحجّاج الشاعر، كقرينه الرّسّامً، لا نعدم أثر السّريلة في نصوصه التي لا يشقّ عليها،مثلاً، أن تُرينا الضوء مسلوقاً: "كان زغبُ خدّيْهامثلَ بخارٍيتطايرُمن ضوءٍ مسلوق!"  وعلى الرغم من أنّ الرؤية البصريّة حاضرة بقوّة في نصوص القرينيْن، إلاّ أن المسافة بينهما تظلّ مديدة، ماثلة في قدرة كلّ منهما على الاستفادة القصوى من عناصر لغته، واللّعب بها وعليها..   لو قُدِّر لطيرٍ أن يحوم فوق جلسة الشعر والرسم لكان بوسعه أن يرى الشعر/الشاعر/الصوت في المركز، والرسم/الرسّام/اللّون في المحيط كتخوم، وسيكون على عينيْه أن تلتقطا، بجرعةٍ واحدة، الصورةَ/الصّوت من لسان الشاعر، والصّورة/ اللّون من عين الرسّام!  (2)أقعدَ جلسة الاحتفاء بـغزالة الشاعر كاظم الحجّاج التي زيّنها المعرض الثاني للرسام عبّاس السعد، التجمعُ الثقافيّ العراقيّ بالبصرة، في الثالث والعشرين من آذار الجاري، في مقرّه الذي تعددت هويّاته؛ فهو مقهى للأدباء، وحاضنة لفعاليات التجمع، وغاليري للتشكيليين. وليس هذا التداخل بطراً، ولكنه حصيلة ندرة الأمكنة والفضاءات، ونتاج سوء الاعتراف بأهمية الثقافة وبمنتجيها من قبل سيدتنا السّلطة.شارك في الجلسة الناقد الأستاذ جميل الشبيبي، وأدارها الكاتب الأستاذ جاسم العايف الذي أثنى على أنشطة التجمع الثقافي، ورأى في نتائجها توطيداً لمسيرة المدنيّة في المنظور التاريخي. وعن الشاعر الحجّاج قال إنّه متعدد المواهب والاهتمامات؛ فهو شاعر، ورسّام، وخطّاط، وكاتب عمود صحافي ساخر من الطراز الأوّل، وهذه التعددية لوّنت قصيدته اليوميّة التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي مع قصائد مجايليْه في البصرة، الشاعرين عبد الكريم كاصد، ومصطفى عبود.. وقرأ العايف رسالة للفنان فيصل لعيبي خصّ بها الجلسة، وذكر فيها أن الشاعر الحجّاج علّمه عادة جمع الكتب، وإنشاء مكتبة، كما علّمه الرسم، وأنهما معاً أصدرا مجلات مرسومة، وزعاها على أطفال محلتهما في زمن وصفه لعيبي بأنه زمن الوصل الأندلسي بنقائه، وانفتاح فضائه الثقافي حيث تأتلف الكنيسة مع المسجد والحسينيّة والسينما في مكان بعينه..   وفي ورقته التي قرأها وصف الناقد جميل الشبيبي الشاعر الحجّاج بأنّه كاتب مجتمعيّ بامتياز، معنيّ بهموم الناس وتطلعاتهم، في الجنوب بشكل خاص، وتغلب على ديوانه (غزالة الصّبا) بساطة اللّغة، وثراء المادة، وسحر الحياة البسيطة المتآلفة، وفي قصائده التي تتجاوز الانشغال بهمّ ذاتي، تمجيد للإنسان ولحياة الجماعة بقيمها النبيلة، وهي تغتني باستفادتها من تقنيات السينما، والسيناريو، والتشكيل، والمسرح. وعلى الرغم من أن أغلبها قصائد تفعيلة، إلاّ أنها تجنح إلى التكثيف والتركيز والتوهج، وذلك ما يجعلها قريبة من قصيدة النثر.. فضلاً عن أن بنيتها تتحرّك في مجال بَصَريّ تأملي، تنتقل خلاله من المألوف إلى اللامألوف بالمفارقة السّاخرة التي تتمرّد على جسد القصيدة، حيناً، أو تلتحم بعناصرها حيناً آخر. وتدعم المفارقةَ مجازاتٌ مبتكرة،وجملٌ مشهديّة لها قوّة تأثير عالية.  الشاعر الحجّاج قرأ، كعادته بنبرته المؤثرة في جمهوره، عدداً من قصائد (غزالة الصبا).حضر الجلسة جمهور كثيف غصّت به قاعة التجمع الثقافي المتطلّع إلى الخروج من إطار الجلسات في قاعات مغلقة إلى رحاب الفضاء العام كما يفيد رئيسه السيّد سعيد المظفر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram