وائل نعمة قبل سنتين عنيت الذهاب إلى مدينة الصدر لأتأكد من خبر انفجار حدث داخل مدرسة ابتدائية في احد أحياء المنطقة، والحديث حينها دار عن قتل وجرح عدد من الأطفال في داخل البناية، ولكن ظل سبب الحادث مجهولا. وسارعت بعض الجهات الأمنية لتبرر سبب الانفجار بتحليلات مختلفة،
لاسيما وان الأوضاع حينها لم تكن قد هدأت تماما في المدينة والخروقات والتفجيرات تحدث باستمرار، فلم يكن من الغريب أن تتعرض مدرسة في حي ساخن لانفجار، لكن الملفت في الأمر أن الانفجار وقع داخل البناية، وترجيحات سقوط قذيفة هاون آو صاروخ كاتيوشا كان ضعيفاً حسب وصف بعض المسؤولين الأمنيين الذين عرضوا تصوراتهم على وسائل الإعلام .السؤال عن مكان المدرسة الذي وقع فيه الانفجار لم يكن محببا لدى الأهالي، والإجابة تأتي من الشباب مرتبكة مع شخص يحمل ورقة وقلماً وكاميرا فوتوغرافية، الكثير اعتذر عن إرشادي ، وحذرني صاحب ستوديو تصوير من السؤال عن شخص أو مكان لاسيما وأنا غريب عن المدينة ، لان بعض التفجيرات والاغتيالات بدأت بنفس طريقة السؤال. بردت قلب صديقي المصور وطمأن لمقصدي بعد أن طرحت عليه بعض الأسئلة التي تخص عمله ،وتبادلنا الحديث عن سوق العمل والحوادث الامنية وسبب الانفجار الذي حدث في المدرسة الابتدائية، حتى قرر أخيراً أن يرشدني لمكان المدرسة.الحالة يرثى لها ، بناية مهدمة ، والصفوف مكشوفة للمارة ، بعد أن سقطت الجدران، وتناثر زجاج النوافذ. المدرسة مهجورة واحدث الانفجار حفرة واسعة في الباحة الخلفية ، ونقل عمود الكهرباء بفعل العصف لأمتار إلى الأمام وتمدد وسط الزقاق الضيق.لم افهم لماذا هرب مدير المدرسة ، كما قال حارس المدرسة الفارغة ، ولكن الأهالي الساكنين بقرب البناية وأولياء أمور الطلاب أشاروا الى أن مدير المدرسة قرر في ذلك الصباح أن يخرج بعض التلاميذ الصغار من الصفوف الدراسية وإدخالهم في حملة "عمل شعبي" لجمع النفايات والأوراق وإحراقها في نهاية البناية، التي كان مخبأ بها في الصدفة عتاد قديم يعود إلى فترة المعارك التي قادتها القوات الأمريكية والعراقية ضد ميليشيات كانت ناشطة حينها في المدينة ، فانفجر الكدس وقتل وجرح الأطفال، وهدم جزء كبير من المدرسة، ولا نعرف مصير المدير الهارب إلى الآن؟!أعوام مرت على تلك الحادثة ، ولكن على ما يبدو أن بعض مدراء المدارس لم يتعظوا بعد من تلك الحوادث ، ففي مدرسة ابتدائية للبنين في منطقة بغداد الجديدة، صادف وجودي أمامها قبل أيام ، شاهدث المدير الشاب يقف بالقرب من البوابة الرئيسية يصرخ على بعض التلاميذ الصغار بالإسراع وهم يحملون الأوساخ في عربة بناء حديدية ثقيلة يخرجونها إلى الساحة القريبة من المدرسة ، بينما يجر آخرون جذوع وأغصان أشجار ميتة عبر شارع - وهم يلهون ويلعبون خارج المدرسة - على جانب طريق سريع .الأطفال معذورون فزجاج المدرسة المكسور والمقاعد القليلة والبناية البائسة والمعلمون المتضايقون من تأخر رواتبهم تؤسس لبيئة طاردة للطفل تجعله يستثمر أية فرصة للهروب من الدرس ، ولكن هل يعلم أولياء الأمور أنهم أرسلوا أبناءهم للعمل في التنظيف ؟ وهل تعلم الأم الحريصة على طفلها الصغير الذي أودعته أمانةً عند بوابة المدرسة الحديدية بيد المعلم، وأكدت عليه متابعته والاهتمام به، أن بعد مغادرتها سيترك للهو في الشارع وبأمر المدير؟! بقي أن نذكر أن وزارة التربية منعت إدارات المدارس كافة من استخدام الطلاب والطالبات في أعمال التنظيف داخل المدرسة، وجاء ذلك في بيان أصدره المكتب الإعلامي في الوزارة، موضحا أن الوزارة قامت بتعيين الآلاف من عمال التنظيف وتنسيبهم على إدارات المدارس.
من داخل العراق: النظافة!
نشر في: 31 مارس, 2012: 08:25 م