ساطع راجيلا يمكن التقليل من قيمة القمة العربية أينما ووقتما عقدت لأنها (وخاصة القمم العادية الدورية) بلا قيمة حقيقية باستثناء بضع قمم تاريخية جلبت الويل والثبور، ومع ذلك كانت قمة بغداد ناجحة بمقاييس الحكومة والوضع العراقي لأن الهدف كان أن تعقد القمة بتمامها أي بلا مقاطعة وهو ما تحقق ،أي أن الهدف كان الشكل وليس المضمون .وفي كل الأحوال لا يتوقع أحد أن يكون هناك مضمون مهم لقمة جرت اعتمادا على تسلسل الحروف الأبجدية للدول المضيفة، ومع ذلك نحتاج إلى توصيف حالة القمة التي عقدت في بغداد والاستفسار فيما إذا كانت قمة طبيعية.
لقد قيل رسميا إن عدد الزعماء الذين سيشاركون في القمة سيصل إلى 14 ملكا ورئيسا وهو ما لم يحدث سابقاً ،وهنا نحتاج إلى التساؤل عن الجهات التي مررت هذا الرقم والدول التي نكثت (فيما إذا كانت وعدت أصلا) وأسباب تراجع الزعماء عن الحضور وإذا كان من المتوقع تدني التمثيل السعودي والقطري فلا مبرر أو تفسير لتدني التمثيل الإماراتي والعماني خاصة مع التمثيل الجيد للبحرين (حضر وزير خارجيتها)، فالعلاقات العراقية الإماراتية هي الأفضل على الصعيد العراقي الخليجي ومع ذلك مثلها أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية رغم أن عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي زار بغداد كثيرا ،كما كان غياب العاهل الأردني لافتا ،وبالمثل تدني التمثيل المصري رغم تسديد العراق بشكل فوري أموال الحوالات الصفراء التي ينتظرها المصريون منذ عقدين ،وتدني تمثيل الجزائر يدفع هو الآخر للتساؤل عن هذا البرود في العلاقات العراقية الجزائرية.في الجانب العراقي، الحكومة نجحت في تأمين القمة وإن جاء ذلك عبر حبس ملايين المواطنين في بيوتهم ومناطقهم وتركهم بلا اتصالات هاتفية ولا انترنيت ،والشيء بالشيء يذكر فإن المصريين أصروا على اعتبار قطع مبارك شبكة الهواتف والانترنيت جريمة يجب محاسبته عليها. لقد تم تأمين القمة بثمن باهظ يجعلها قمة غير طبيعية (بمعنى أنها مشوهة) وهو ثمن يدعو إلى التفكير ألف مرة قبل عقد أي ملتقى على مستوى عال مستقبلا فيما لو أخذ بالحسبان راحة المواطن العراقي ومصلحة العراق وخاصة الاقتصادية،فمن غير المعقول أن نضحي بهذا الكم الهائل من الأموال والاستعدادات الأمنية لعقد لقاءات غير ذات جدوى من الناحية الفعلية.لقد عقدت القمة، هذا مريح ومربح لعدد من المسؤولين العراقيين الذين حصلوا على صور تذكارية وأفلام توثق حضورهم الميمون إلى جوار من يمكن اعتبارهم الزعماء العرب من باب المجاملة وهي تذكارات ستستخدم في كل معركة سياسية داخلية تخوضها الأطراف العراقية ،وهناك من سيرفع شعارا للنصر بـ(العودة إلى الحضن العربي) رغم أن هذا الحضن محشو بالمشاكل والألغام، وعلى المسؤولين العراقيين أن يكتفوا بهذا وألا يسمحوا "للحبربشية من ماسحي الأكتاف والمنتفعين بالمقاولات" بالنفخ في القضية لاستخدامها في التغطية على حالات الفشل المزمنة في الخدمات والأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية وألا يتم استخدام بضع ساعات هي عمر القمة في التغطية على سنوات من الفشل دفعت إلى تغييب سكان العاصمة للتخلص منهم حتى لا يخدشوا "المنظر الجميل".لقد عقدت القمة لكنها لم تكن قمة طبيعية (حيث لا توجد قمم ناجحة أو فاشلة عربيا) وهي في كل الأحوال لن تكون بديلا عن الجهد الحقيقي لبناء علاقات خارجية طيبة والذهاب إلى أبعد نقطة للتفتيش عن مفاتيح تحسين العلاقات العراقية العربية. يجب ألا نخدع أنفسنا ،فالدول الفاعلة لم تحضر ومن حضر هم في الأغلب ضيوف معتادون على كل قمة أينما عقدت ولأي شأن كانت ومازال الطريق طويلا أمام العراق لفتح صفحة جديدة مع الدول العربية التي تتحمل بدورها جزءا كبيرا من المسؤولية عن برود علاقتها مع العراق وأحيانا تردّيها.
هل القمة طبيعية؟
نشر في: 31 مارس, 2012: 08:32 م