أحمد عبد الحسينلعلّ أفضل ما حملته قمة بغداد من وقائع تمثّل في الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها، وهو أتى من سياسيينِ عربيينِ بارزين: رئيس وزرائنا نوري المالكي والرئيس التونسي المنصف المرزوقي.
المرزوقي اعترف بمساهمة بعض أبناء شعبه بتعميق الجرح العراقيّ، واعتذر بشجاعة نادرة لا يملكها مواطنون عرب عادة ـ فضلاً عن سياسييهم ـ عما فعله تونسيون إرهابيون في العراق بعد التغيير.من شأن اعتراف الرئيس التونسيّ واعتذاره أن يكونا لفتة نادرة وجريئة قد تفتح الباب لاعتذارات من قادة عرب آخرين، أظنها ستأتي عاجلاً أو آجلاً، ولم يكن الأمر مستغرباً من هذا الرجل الذي دفع ثمناً كبيراً لمواقفه المناهضة لنظام صدام أيام أجبر ضغطُ الشارع والإعلام التونسيّ عائلة المرزوقي على التبرؤ من ابنها!نوري المالكي اعترف بخطأه هو الآخر واعتذر، اعترف بأن القوات التي كانت بإمرته نغّصتْ حياتنا وسوّدتْ أيامنا وحوّلت بغداد إلى مدينة أشباح، اعتذر للبغداديين عما فعلته فيهم أجهزة الأمن، وهي لفتة محمودة أيضاً وتحسب له، لكن ليس أمامنا هنا إلا أن نلحظ فارقاً بيّناً بين اعتذاري الرجلين، ففي حين قدّم المرزوقي اعتذاره الذي يُفهم منه ان تونس ـ في قيادتها الحالية المنتخبة ـ لن تضمر سوءاً للعراق بعد اليوم ولن تكرّر ما يوجب الاعتذار مرة أخرى، نعرف ويعرف دولة رئيس وزرائنا الموقّر أن اعتذاره لن يمنع أجهزته من سجن العراقيين والتضييق عليهم في قابل الليالي والأيام وعند أول مناسبة يريد لها أن تنجح، فهو ـ على ما يبدو ـ لا يملك وأجهزته بديلاً عن قتل الحياة في الشارع لتحقيق الأمن.دائماً نلجأ إلى الخطة العبقرية التالية: نمنع الناس من الخروج ونقطع شبكة الهواتف ونقطع الانترنت ونحاصر الأحياء بالصبات الكونكريتية ثم نحتفل لأن حدثاً جسيماً لم يقع. وكيف يقع حدث إرهابيّ في شوارع شبحية ليس فيها سوى الجيش والشرطة واللافتات المرحّبة بالقادة العرب؟اعتذاران تتلمّس في أحدهما شرطاً من شروط التوبة "وهو الندم وإضمار عدم العودة للذنب"، بينما لا ترى في الثاني سوى فضّ عتبٍ لأنّ المعتذر لا يملك إلا أن يذنب ثانية وثالثة ورابعة.جميل أن تشيع ثقافة الاعتراف والاعتذار، ربما العرب هم أحوج الناس طراً لتعلّم هذه الثقافة، وليس أفضل من قادتهم الأفذاذ ليعلموا مواطنيهم إياها وليكونوا قدوة لهم، وكم سيكون ناجحاً أن تحمل القمة المقبلة "التي ستعقد في الدوحة" عنوان "قمة الاعتراف والاعتذار" وتكون مخصصة لاعتراف الرؤساء والملوك والأمراء بما اقترفوه بحقّ شعبهم والشعوب الأخرى، وأن يقدموا اعتذارهم لمن وقع عليه الظلم.نجاح قمة كهذه سيكون مضموناً دون أن يضطرّ القائمون عليها لصرف مليار وربع المليار دولار، ودون أن يضطروا لتعطيل الحياة في بلدانهم وأن ينشروا جيشاً كاملاً في شوارع تصبح ملكاً للعسكر.
قرطاس: اعتذاران
نشر في: 31 مارس, 2012: 08:38 م