TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > نص ردن : بلاد تطرد الوحوش

نص ردن : بلاد تطرد الوحوش

نشر في: 31 مارس, 2012: 09:34 م

 علاء حسن الشاعر الحلاوي موفق محمد لخص المحنة العرقية بعبارة "أرى هذا الخراب تفر منه الوحوش".والخراب هنا لا يحتاج إلى تفسير، فهو يحيط الجميع، ولا احد ينكر وجوده، فأصبح مادة يومية لخطب السياسيين وتصريحاتهم، وانعكاسا حقيقيا لمسار العملية السياسية المتجهة نحو مصير مجهول، في ظل تحديات مستمرة تهدد امن المواطن والبلاد والعباد.
من يدعي رفع شعار" المقاومة الشريفة" وبجهوده اجبر القوات الأميركية على الانسحاب من العراق، اسدل الستار على نشاطه السياسي، وتخلى عن شعاراته السابقة بتحقيق مصالح الشعب العراقي، وفضل المشاركة في الجهاز الحكومي، ليسهم هو الآخر في تكريس الخراب، اما الجماعات المسلحة الأخرى، فهي معروفة بهويتها الإرهابية واستهداف المدنيين، ونشاطها التدميري سيتواصل لان قادة الأجهزة الأمنية عاجزون عن توفير الأمن، وأسلوبهم الوحيد لمعالجة تدهور الأوضاع بإعلان تعطيل الدوام الرسمي وفرض حظر التجوال.عندما فرت الوحوش من الخراب لم يستفق من يدعي "طرد المحتل" من رقاده الطويل، فأذعن هو الآخر لأكذوبة بناء نظام سياسي جديد، يحقق مصالح الشعب العراقي، واكتفى بخوض التصريحات، وتوجيه رسائل للقادة القابعين في المناطق المحصنة لحثهم على تجاوز خلافاتهم، واحتواء الأزمة المستعصية ثم التفرغ لإدارة البلاد.في زمن النظام السابق وفي سنوات فرض العقوبات الاقتصادية على العراق، تجمهر عدد من الأشخاص أمام رجل في السبعين من عمره، كان يطلق صرخات هستيرية، وسط جسر الشهداء، وبعد السؤال والاستفسار تبين أن الرجل كان يصرخ احتجاجا، لأن راتبه التقاعدي لا يكفي لشراء " ركية " في ذلك الوقت، وعندما قدم له احد المارة سيجارة من نوع "اللف " نصحه بأن يكف عن الصراخ، خشية تفسيره بأنه تحريض ضد النظام، وقد يعرضه سلوكه لعواقب وخيمة.يقال إن تشييد جدران وحواجز الخوف في النفوس يبدأ من الإذعان التدريجي لأوامر تبدو للوهلة الأولى ليست ذات أهمية، ثم تعقبها أخرى جائرة تعبر عن رغبة استبدادية، فيحصل رضوخ جماعي، ومن مظاهره في سنوات سابقة التجمع أمام دوائر التجانيد وبحشود كبيرة من الشباب، خوفا من التخلف عن أداء الخدمة الإجبارية أو الاحتياط، والتأخر لمدة يوم واحد فقط عن تاريخ السوق، وهذه المفردة باللهجة الدارجة تعني "السَوك" "ومنها "سوكو عليهم " والخراب العراقي الذي أشار اليه الشاعر موفق محمد بدأ منذ رفع الحكام شعار" سوكو عليهم " لضمان البقاء في السلطة والمكوث الطويل على العرش إلى يوم القيامة.المتقاعد الحالم بشراء ركية براتبه التقاعدي، رفض في ذلك الوقت سياسية "السوك " فأطلق صرخة منفردة سرعان ما تلاشت، لاصطدامها بجدران الخوف، ونصائح الآخرين بالتزام الصمت والتحلي بالصبر وانتظار رحمة الله " ويا عمي شجابك لهاي الورطة " وليس في العمر بقية تستحق الدفاع عن أشخاص يصفقون ويهتفون ويطلقون الأهازيج لرافعي شعار" سوكو عليهم".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram