احمد المهنابين قمة بغداد 1990 وقمة بغداد 2012 مسافة البعد بين القطع والوصل، بين الدراما والتجارة، بين الغرور والتواضع، بين المغامرة والمثابرة، بين الحرب والسلام، وبين الوهم والحقيقة.كان صدام ذئبا جريحا وجائعا، وكان ذلك يشعره بالإهانة، لأن جنون العظمة أخذ منه كل مأخذ.
لقد خرج من حرب الثمانية أعوام منتصرا، مع جيش يقرب من المليون، وبرامج أسلحة مطورة وأخرى للدمار الشامل. وقد أنجز للتو مهمة حراسة "البوابة الشرقية". وشرع يستعد لتولي مهمة حراسة أمن الخليج، لحسابه، دون طلب، ولا رغبة من أحد.لكن الديون كانت كبيرة، مائة مليار دولار، والموارد شحيحة: أسعار النفط في الحضيض، 12 دولارا للبرميل. والدور العظيم يحتاج الى مال عظيم. كانت المفارقة هائلة بين الواقع المزري والطموح الخيالي. شبيهة، على نحو ما، بوضع الاتحاد السوفييتي الذي وصف بأنه عملاق بمعدة فارغة.وكان العملاق السوفييتي نفسه يترنح، وكان ربيع اوروبا الشرقية قد بدأ. ودخل في روع صدام أن العالم يتآمر عليه. برامجه لأسلحة الدمار الشامل مستهدفة. الصحافة الأميركية فتحت ملفه في حقوق الإنسان. وهو لا يفرق بين صحافة وبين حكومة في أميركا. الكويت لا تشطب ديونه، ولا تستجيب لطلب قرض جديد بعشرة مليارات دولار، ولا ترضخ في مسألة اسعار النفط ولا في مسألة الحدود.وتحت هذه الحمى انعقدت قمة 1990. معركة خلال الاجتماع الوزاري التمهيدي بين طارق عزيز من جهة، وعصمت عبد المجيد وسعود الفيصل من جهة أخرى. الأول يريد ادانة الولايات المتحدة، والآخران يريدان سببا وجيها ولا يجدانه. كان جدول الأعمال ثوريا فرفض، وترك الأمر للقادة.سوريا كانت غائبة، كما اليوم، فقد تبادل صدام والأسد اقذع الشتائم في قمة الرباط قبل عام.وتصرف صدام بغضب بطل لا يحسن الخليجيون تقديره. واضطر أكثر الزعماء محافظة الى قبول أكثر القرارات راديكالية: أربع ادانات بالإسم للولايات المتحدة. وبدت وكأنها القمة الأخيرة. وكانت كذلك بالفعل، فبعد شهور منها غزيت الكويت، وانعقدت قمة القاهرة، وهي قمة الانقسام، وقمة نهاية الإجماع العربي.وبدأ العراق تدحرجه كحجر في هاوية.قمة بغداد 2012 ، على العكس، جاءت للوصل بدل القطع. تحسب للمصالح وتتحسب من العواصف. تثابر للستر والعافية بدل المغامرة. تفكر بالإقتصاد أكثر من السياسة، وتجهد للإقتراب من الأرض والإبتعاد عن الوهم. قمة زمن مختلف تماما. وقد هيمن عليها شبح قوة مخيفة تهدد احتكار القادة للتصرف بالمصير. اسمها الشعب. وتوقيعها "الربيع العربي". وأخلى الغرور مكانه للتواضع. كان هناك الكثير من التواضع في خطب القادة. العراق وحده، للأسف، كان الأقل تواضعا. فقد قال المالكي ان المصالحة الوطنية في العراق نموذج يحتذى، كما ضرب بالعراق مثلا على سلاسة التداول السلمي للسلطة. لا دولة الرئيس، لسنا مثلا جيدا في هذه ولا تلك. ولم نصل بعد المكان الذي نعطي منه الدروس للآخرين.كان هذا هو الشيء الوحيد في قمة 2012 الذي ذكرني بقمة 1990 . ففي الاجتماع التحضيري لها قال طارق عزيز شيئا رد عليه عصمت عبد المجيد بأنه لم يأت الى بغداد لكي يتلقى درسا في الوطنية من أحد.ولحسن الحظ كانت قمة 2012 للستر لا للأخذ والرد!
أحاديث شفوية: الأقل تواضعا
نشر في: 31 مارس, 2012: 10:28 م