بغداد/ المدىطالما أن العقوبة ضعيفة فسوف يستمر نزيف الدم فوق إسفلت الشوارع، وطالما أن الجاني مطمئن في النهاية إلى انه سوف يدفع ثمن إهماله ورعونته ... التي أودت بحياة بريء من تبرعات وهبات عشيرته التي تدفعها عن طريق الفصل العشائري والصلح مع أهل القتيل ... الطالب الجامعي خالد لقي مصرعه بعد أن صدمته سيارة كيا ... ولا اعتراض منا على حكم القدر ... لكن أليس الموت بهذه الطريقة يعد إهمالا فظيعا يدفعنا إلى ان نعيد النظر في توصيفه ونجعله عقوبة مشددة كجريمة القتل العمد !... كنت في مسرح الجريمة .. ثم في بيت أسرة المجني عليه ...
خالد يخرج من غرفته حاملا أوراقه في حقيبة يد مرتديا ملابس الخروج وان ظلت الابتسامة غائبة عن وجهه وبدأ أمام أسرته ووالديه وشقيقته على غير طبيعته ! وتتصاعد الأحداث رويدا رويدا ... خالد يغادر بيته متجها إلى الجامعة التكنولوجية حاملا حقيبته ... كان يقطع المسافة في بطء شديد وكأنه يقدم قدما ويؤخر الأخرى ... ربما أحس طالب الجامعة بأنه مساق إلى قدره المحتوم ، لكن كيف له أن يتأكد من هذا ... خالد يصل إلى كليته في التاسعة صباحا ... حاول أن ينسى أو يتناسى ما يعتريه منذ الصباح ... حاول أيضا ان يبدد خوفا يسكن بداخله وعجز عن تغيير ما يحصل له ... انتظر مع زملائه في قاعة الدرس وقد كان حريصا على متابعة محاضرة الأستاذ ... ويمر الوقت بأسرع مما يتخيل حتى انه كذب عقارب ساعته ولم يتأكد من أنها تشير إلى الثالثة ظهرا إلا بعد ان سأل احد زملائه عن الوقت والتزم بعدها بالصمت ! .. كان الصمت الذي يسبق الفاجعة وحان وقت الرحيل .. ليس من الجامعة فقط وإنما من عالم الأحياء ايضا !... وتبلغ الأحداث ذروتها ... خالد يتحرك من كليته مسرعا بعدما أحس بأنه سيفوته الخط الذي اشترك فيه والذي يخرج في تمام الساعة الثالثة .. وبالفعل كان سائق الكيا يحرك سيارته ويغادر مع الطلاب شارع الجامعة ... طالب قسم الهندسة المدنية يحاول اللحاق به ... ينادي على السائق أن يتوقف ... لكن القدر كان يرسم ويخطط لشيء آخر خارج الجامعة فوق إسفلت الشارع ... في هذه الأثناء كان هناك وحش في صورة سيارة أجرة صفراء اللون تقترب من المكان ... خالد لا يزال يصارع الطريق ... يحاول اللحاق بسيارة الخط وفي لحظة خارقة تصدمه سيارة الأجرة ... تحتضنه ثم تلفظه وتقفز به إلى الأمام عدة أمتار ... ويأبى السائق أن يترك فريسته هكذا ... بل لحق بجسده المسجى فوق الإسفلت ليمر فوقه ... كان الصراخ يعلو والدماء الغزيرة تنفجر من جسد خالد الذي لم يحرك ساكنا! واتت سيارة كانت تسير خلف سيارة الأجرة توقفت وحمل سائقها خالد ولا احد يعلم إن كان في الرمق الأخير أم جثة هامدة ! وبعيدا عن مسرح الجريمة نعود الى بيت أسرة خالد في حي الضباط ... الساعة الرابعة والنصف يتلقى الأب مكالمة على النقال ... كان المتحدث احد أصدقاء خالد وبصوت متردد يخبر الأب ان خالد أصيب في حادث سيارة أمام الجامعة وتم نقله الى مستشفى الكندي مصابا بعدة إصابات بالصدر والرأس ... ثم يغلق الهاتف بسرعة ... كانت الدموع تتدفق من عينيه وعجز عن مكافحتها وصدها من أن تسيل من عينيه !... نشفت دموع الأب ... فالرسالة التي تلقاها بقلبه تؤكد أن ابنه يقبع الآن جثة هامدة في ثلاجة المستشفى ... لكنه رفض أن يسبق الأحداث ... انطلق بسيارته مسرعا الى مستشفى الكندي ... يصرخ في وجوه الجميع ... ابني وين ... أريد أشوفه قبل ما يموت ... الأم كانت تبكي تلتمس أن تسمع خبرا يقول لها إن ابنها لا يزال على قيد الحياة ... ولكن بماذا يفيد التمني الآن وجسد خالد يحجز له مكانا في ثلاجة المستشفى والإجراءات تقول انه يجب على الأب ان يجلب هوية الأحوال المدنية لخالد حتى يتسلم جثة ابنه ... وكانت النظرة الأخيرة ... انهار بعدها الأب والأم وشقيقة خالد ... في مركز الشرطة تم حجز وتوقيف سائق السيارة الذي ظل في مكانه حتى أتت دورية النجدة ... اعترف بالحادث وذكر انه فقد السيطرة على سيارته بعدما فقد القدرة على التركيز بعد أن كان متعبا ومريضا وهو يسوق السيارة ... رغم أن قيادة السيارة تلزمها حالة ذهنية صافية وتركيز عال ... نحن نتساءل أين شرطة المرور في مراقبة ومتابعة السواق وخاصة سيارات الأجرة الذين أصبحوا بكثرة واغلبهم لم يحمل إجازات سوق ولم يختبر أمام لجنة السياقة ... ورغم ذلك فهم يقودون سياراتهم بسرعة جنونية ... وكلنا يعلم أن أغلبهم أحداث وغير واعين للمسؤولية الجزائية ؟.. حتى القاضي أفرج عن السائق بعد ثلاثة أيام بكفالة لان الحادث ليس جنائيا وإنما حالة دعس عادية !! في الختام متى يتغير مفهومنا لجريمة القتل الخطأ؟
طالب الهندسة.. قتله سائق الأجرة من دون رحمة
نشر في: 1 إبريل, 2012: 07:02 م