قاسم السنجريقبل انعقاد قمة بغداد كثيراً ما عبّر العراق عن مخاوفه من التغيير السوري وخشيته من استيلاء جهات إسلامية متشددة على السلطة سبق أن تعاطفت و دعمت الجماعات المتشددة و التكفيرية في العراق ،و لكن سعي العراق للعودة إلى المجتمع العربي بعد الانسحاب الأمريكي الذي أسقط الحجج العربية في عدم التعامل مع حكومة العراق كونها حكومة تحت الاحتلال ، هذا السعي جعل العراق بين خوفين ، خوف إحباط عقد القمة في بغداد وخوف استيلاء الإسلاميين المتشددين على حكم سوريا المدعومين من قبل السعودية وقطر ،
وهذا الأمر وضع العراق في موضع الماشي على الحبل عليه أن يوجه نظره إلى الأمام و أن يُسقط العصا من يده، و لا يستطيع التضحية بمكتسباته التي يشعر بأنها استحاق طبيعي ألا و هي أمنه القومي و سلامة أراضيه من أي تهديد خارجي و تضييفه القمة العربية التي هي حق طبيعي كون العراق عضوا مؤسسا في الجامعة العربية ،وهذا الأمر جعل العراق يبذل جهداً كبيرا للحفاظ على هذه المكتسبات ،مع وجود صراع كبير مع قوى لها هيمنتها على مجلس الجامعة العربية ،واتضح هذا الصراع جلياً بالتمثيل المنخفض لقطر و السعودية ،و رغم رفض العراق الدائم تدويل الأزمة السورية إلاّ أنه أبدى موافقته وتبنيه إعلان بغداد الذي صدر من القمة الثالثة و العشرين وتبنيه مهمة كوفي عنان هو عودة هذا الملف بقوة نحو تدويله بدعم عربي متكامل.هي المرّة الأولى التي تكلف فيها جامعة الدول العربية مبعوثاً من خارج نطاق الدائرة العربية لتنفيذ مهمة قد تبدو بالمستحيلة ، في الوقت الذي أسفرت المنظمة الدولية عن مهمة عصية يتولاها كوفي عنان لإقناع سوريا بشقيها الحكومة و المعارضة بإنهاء العنف المتواصل منذ أكثر من عام فتح صفحة سياسية جديدة تستند إلى الحوار بين جميع الأطراف ،و رغم إعلان الحكومة السورية الموافقة على مبادرة عنان إلاّ أن المهمة لا تزال يشوبها الغموض و الحكم على نجاحها أشبه بعملية تكهن لا نجد لها أي مصاديق على أرض الواقع ،فالحكومة السورية تشرح من خلال إعلامها أنها تحارب عصابات مسلحة انشقت عن الجيش السوري مخترقة من قبل عناصر قاعدية ، بينما المعارضة المتعددة و غير الموحدة لا يزال مشروعها يراوح بين فقرتين ذات أغراض مدعومة من قبل قوى عربية لها أجندات تسعى لتحقيقها على الأراضي السورية دون النظر إلى توحيد خطاب وطني سوري يشمل جميع اصطياف المعارضة السورية ،و ما يلفت الانتباه لهذه النقطة المثيرة الملف السوري أن المعارضة الكردية استشعرت أنها خارج إطار هذا المشروع و إن ما يجري على الأرض يصب في مصلحة طرف واحد من الجهات المعارضة الأمر الذي دعاهم للانسحاب من مؤتمر اسطنبول ، وحين تأتي مبادرة كوفي عنان في خضم هذا الصراع قد يبدو أن التعامل مع الحكومة السورية أكثر سهولة من التعامل مع أطراف غير متفقة و لامتوحدة الخطاب.إن كوفي عنان يشعر بصعوبة مهمته واستحالتها في كثير من الجوانب، فهو إن ضمن موافقة جميع الأطراف على بداية حوار سياسي، تبقى هناك أطراف تمسك الأرض و تستخدم السلاح بعيدة عن أي تمثيل في أطراف المعارضة كونها جهات مسلحة مجهولة الانتماء ،وهذه الجهات سيكون من الصعب السيطرة عليها أو ضمان التزامها في توقف استخدام السلاح وإطفاء نار العنف الذي إن اشتعل لا يمكن إطفاؤه بسهولة.
القمّة وسوريا وعنّان!
نشر في: 1 إبريل, 2012: 07:11 م