أحمد عبد الحسينتعرفون كذبة نيسان، كذبتنا التي نكذبها كل عام ونحن مطمئنون إلى أن أحداً لن يؤاخذنا أو يحاسبنا أو يعتبرنا كذابين، فشهر نيسان يمنحنا يوماً لتحويل الكذب "كذبة واحدة في العادة" إلى مناسبة للضحك مع الآخرين. سمّها كذبة بيضاء أو كذبة بريئة أو ما شئتَ من الأسماء، لكنها غير مرذولة لأنها لا تحمل وراءها قصد الإساءة أو الاستغفال.
هذه كذبة نيسان كما عرفها العالم منذ القديم وعرفها العراق منذ سنوات، لكننا منذ التغيير صارتْ لدينا تقاليد سياسيّة في فنّ الكذب كلّ نيسان، ففي هذا الشهر يعتدل الجوّ عادةً ولا يعود المواطن بحاجة إلى التدفئة كما أن الوقت مبكّر على تشغيل أجهزة التبريد، ولذا يقلّ استعمالنا الكهرباء كثيراً، وتبدو الطاقة الكهربائية بوضع أفضل، لكنّ وزارة الكهرباء تفاجئنا كلّ سنة في الإعلان عن أن جهوداً مضنية بُذلتْ من قبلها لتحسين حالة الكهرباء، والدليل ما تشاهدونه هذه الأيام من تحسّن.بعد أن تكرر المشهد مرات عدة عرفنا أن ذلك أسلوب الحكومة في إتحافنا بكذبة نيسان، لكننا ـ ربما لكي يكتمل مشهد الفرجة ـ نفتعل تصديق الوزارة ونبتهج وندعو للحكومة بالتوفيق والسداد إلى أن تمرّ أيام ويصبح الجوّ حاراً، تمدّ لنا الحكومة لسانها لتقول لنا "إنها كذبة نيسان أيها الأغبياء"؛ وتضحك ونضحك نحن معها حتى تنقلب الحكومة على ظهرها من الضحك وتدمع عينا الوزير وهو يقهقه، ونعيش في سعادة وحبور حتى في أيام الصيف اللاهبة.هذه حكايتنا السعيدة كلّ عام، يكذبون ونصدّق من أجل أن يضحكوا علينا، لكنّ الحكومة فاجأتنا أمس بخبرٍ يمكن أن يشكّل تغييراً ملحوظاً في كذبتها النيسانية التقليدية، فهي أعلنتْ أن بغداد ستخلو من السيطرات ومن الحواجز الكونكريتية.علينا ألا نفسد المشهد، علينا أن نصدّق، فإذا لم يكن تصديق ذلك ممكناً، فعلينا افتعال التصديق، ونستمرّ في إقناع أنفسنا بصدق عمليات بغداد وجدّيتها، إلى أن يحين موعد إعلانها عن الحقيقة فيخرج لنا ناطق ما باسمها ليقول لنا "لقد شربتم المقلب أيها المغفلون .. إنه نيسان وهذه كذبتنا التي نكذبها كلّ عام"، لنضحك مع الحكومة التي تضحك علينا ونضحك عليها ليل صباح في الليالي والأيام الملاح.كذب الحكومة غير بريء، لأنّ فيه استغفالاً لنا، فلا الكهرباء تتحسن في نيسان، ولا الحواجز سترفع قريباً، لكنّ ما يخفف عنا الشعور بالغباء إحساسنا بأن لدينا حكومة خفيفة الدم، لا تنسى ـ مع كثرة انشغالاتها بتسقيط أعدائها ـ يوم الأول من نيسان الذي يبلغ فيه كذبها مداه.نحن نتمنى طبعاً أن تكون كلّ أيام السنة الأول من نيسان، على الأقلّ ليكون الجو معتدلاً ولا يسلقنا الحرّ أو يرجفنا البرد، لكنّ حكومتنا الموقرة تتمنى ذلك أيضاً لأنّ كذبها سيكون مستساغاً باعتباره كذباً أبيضَ؛ فمادامتْ الحكومة تكذب باستمرار، ليل نهار، فإن شهر نيسان سينقذها من أن تكون حكومة كذّابين.ياربّ اجعل أيامنا كلها الأول من نيسان، وأعطنا طاقة كبيرة على القهقهة.
قرطاس: كذبة نيسان حكومية
نشر في: 1 إبريل, 2012: 07:15 م