حسام مصطفى ليس المعرض تظاهرة ثقافية وفكرية وحسب، انه في الأعمق منه معركة حقيقية ضد الأفكار الظلامية والتخلف ومحاولات تجهيل الناس بالخرافات وتغذية العقول بالصراعات الطائفية التي أصبحت جزءا ممقوتا من ذاكرة العالم المتحضر.
انه معركة حقيقية من اجل عالم أفضل بالفكر والثقافة والإبداع والعلاقات الإنسانية الراقية نحو عالم متجدد يكون فيه الإنسان هو الوسيلة والغاية معا لبناء نمط جديد من العلاقات بين الأفراد والشعوب والثقافات المتنوعة. ليس تقليديا ان نقول إن الكتاب في الصف الاول بمواجهة المفخخات والكواتم والانكفاء على الماضي باعتباره حاضرا ومستقبلا، وقد دفع حملة الكتاب التنويري وقراءه معا ثمنا باهظا في سبيل إنارة الدروب المظلمة التي يساق إليها ملايين العراقيين خلف ستار الخرافات والتلفيقات ولي عنق تطلعات الحياة المتحضرة إلى زوايا معتمة تقود في النهاية إلى مجتمعات رثة متخلفة تتباعد المسافة بينها وبين المجتمعات والشعوب المتحضرة بملايين السنوات الضوئية.لقد كان الكتاب التنويري دائما في مقدمة المواجهات ضد الاستبداد والطغيان والتخلف وكان المثقفون العراقيون في زمن الدكتاتورية الصدامية لا يتبادلون الكتب المستنسخة سرا بل وحتى المقالات السياسية التي كانت تهرّب إليهم من خارج العراق بهذا الشكل أو ذاك.المعرض يقدم لكل الساعين حياة حقيقية تحت الشمس وعلى طبق من ذهب كتابا تنويرا حضاريا بعيدا عن أعين الرقابة والممنوعات التي جففت حياتنا الثقافية والفكرية والفنية والإبداعية، ومجسات العسس التي كانت منتشرة في تفاصيل حياتنا اليومية.تنويعات هائلة من الأفكار من الماركسية إلى الدينية بكل تلاوينها واجتهاداتها واختلافاتها حتى في الكأس الواحة والمتشابهة، جنبا إلى جنب في مشهد يتكرر للمرة السابعة في كردستان العراق دون حساسيات أو مخاوف من الآخر الذي كان على الدوام بعبعا بسبب سيادة ثقافة الوجه الواحد والفكر الواحد والمنطلقات الواحدة وامتلاك الحقيقة المطلقة التي "لا يملك" بعضها الآخرون، هذا الزمن قد ولى، وان كنّا مانزال نعاني من تبعاته، الا انه ولى الى الأبد وحل بديلا عنه هذا الكرنفال من الاقتراب المشترك من الحقيقة والحياة الحقيقية، حل بديلا عنه التجاور والتفاهم وان كانت مساحة هذا العالم في العراق ما زالت ضيقة وملاحقة أيضا في أكثر من مكان من العراق بسبب ترسبات الماضي ومحاولات إعادة حياة العراقيين إلى مربع الممنوعات والإلغاءات والتفرد بالحياة وتفاصيلها.هنا في كردستان تنبثق هذه الشعلة في مساحة العشرة آلاف متر مربع، لكن إشعاعها ينطلق حرا إلى خارج هذه المساحة لان من تبرق في عينيه شعلة الفكر والمعرفة "سيمرض" بها الى الأبد وبذلك لن تتحد مساحة هذه الشعلة لا بالمكان ولا بالزمان لانها ابعد من هذه التحديدات وأكثر قدرا ومكرا على التسلل الى العوالم الخفية للناس ممن يرغبون الاقتراب من هذه الشعلة، شعلة الفكر والمعرفة والإبداع والحياة المتحضرة الحقيقية.
في مواجهة الظلام..
نشر في: 1 إبريل, 2012: 10:46 م