أحمد حسينينشغل العديد من الناس البسطاء بسؤال محير ومحرج في الوقت نفسه حين يجالسون أحد المثقفين، السؤال هو: ما هي خلفية هذا المهذار وهويته الفكرية؟ هم يحارون في معرفة إلى أي جهة ينتمي، اليمين أم اليسار أم ما بينهما؟ وذلك ما يضعهم في حرج، فهم يعرفون مسبقا أن سؤالا كهذا ستكون إجابته إنفراجة هازئة لشفتيّ المثقف وبضع كلمات تدور في فلك التجهيل والاستخفاف وأحيانا الطائفية والعنصرية تماشيا مع الاتهامات الرائجة في عهدنا الجديد.
نصيحة مجربة أقدمها لهؤلاء البسطاء، هوية المثقف ليست طلسما بل هي أكثر الهويات افتضاحا، وبالإمكان معرفتها بسهولة، إن أكثر محدثك من استخدام المثل العليا والأخلاقيات والتبرؤ من معتقدات الغرب وحريتهم (الانحلالية) فأعلم أنك تجالس يمنيا، وإن هاجم مثقفك عقائد الآخرين دون أي مبرر وسفهها وجعل منهم أضحوكة ومثالا للشر والرذيلة فهو يساري، وإن بدا متساهلا وهادئا وميالنا لجانب من الأخلاق وشيئا من الانتقاد فالوسطية هي هويته، بل وأزيدكم أيضا، من السهل معرفة حتى الهوية الطائفية والعرقية للمثقف، فستجده يكثر من الاستشهاد بمقولات أو أخلاقيات وأفعال الإمام علي أو أبنائه أو أحفاده، أو يحبذ الإشادة بدولة عمر بن الخطاب ومواقفه وبطولاته، لتعرف من أي طائفة هو، وإن لم يتحدث عن أي دين فأعلم أنه على دين غير الإسلام، كذلك ستجده ينتقد الشوفينية العربية، أو الانفصالية الكردية، والعنصرية التركمانية، فيكشف عن أصوله العرقي، وستجد أيضا من يشيد بالأعراف والموروثات القبلية لتعرف لأي جغرافية ينتمي محدثك. لكن إن كان أياً من هؤلاء فأعلم أنه ليس بمثقف، بل هو مجرد قارئ لا يختلف عنك في شيء سوى أنه كرس جزءاً من وقته للقراءة حين كنت أنت منشغلا بتأمين متطلبات الحياة أو مأخوذا باللهو أو لحرمانك من نعمة القراءة.الآن، كيف تعرف أنك تجالس مثقف؟ ستجده يكثر من تجهيل عامة الناس واتهامهم بالتخلف والرجعية والقبلية، ويزجهم في قفص الاتهام بجريرة ما حدث ويحدث، ويلي عليهم باللائمة لمشاركتهم في انتخابات طائفية عرقية، ويجلد ظهورهم لأنهم منقادون للأشخاص وليس للأفكار، لكنه في الوقت نفسه لم يأخذ دوره ووظيفته الأساسية في التثقيف والانتشال من الرجعية والتخلف، ولم يؤدِ واجبه بالحث على مجابهة ما جرى ويجري، كما أنه شاركهم في ثورة البنفسج التي لم تأت بغير ما أتت به في الدورات الانتخابية السابقة واللاحقة، كذلك يدعوهم لاتباع شخصه وفكره وهو ما ينقمه عليهم.أيضا تعرف المثقف حين تجده يتحدث عن أمور ومثاليات بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش، وتسمعه يثرثر بمصطلحات لا تنسجم حتى مع القواعد اللغوية كـ(المخيال) بدلا من الخيال، والـ(human) وليس الإنسان، أو البروليتاريا بدلا من العمال والفلاحين، وسيورد كذلك تصوراته عن دولة ما ورائية، قرأنا عنها في جنة عدن أو عند ظهور المخلص، وسط واقع لا تسمح مفخخاته الانتحارية والسياسية بالشرود الذهني ولا الاختلاء بالفكر.لكن السؤال الأهم، لماذا دائما يرتضي المثقف الجلوس على كرسي السطوة النفسية التي ينتقدها ويجلدها بقسوة عند الساسة؟ لماذا ينتشي المثقف وهو ينظر للناس من علية يسعد بارتفاعها، ويتحدث باسما لأناس يتوسمون فيه الفائدة والتعلم ويبادلونه نظرة احترام وتقدير من المفترض أنها تبدر منه وليس منهم؟!
اعرف محدثك
نشر في: 2 إبريل, 2012: 07:24 م