أبو ظبي/ عدنان حسين أحمد على هامش معرض أبو ظبي الدولي للكتاب التقى نخبة من الصحفيين والكتاب العرب بالروائي الليبي إبراهيم الكوني وحاوروه في موضوعات شتى بعد أن قدّم واحدة من محاضراته القيمة عن تجربته الإبداعية التي تمتد إلى أوائل سبعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا. وقد كوّن خلال هذه العقود الأربعة الماضيات عدداً كبيراً من الآراء والمفاهيم الثقافية والفكرية والسياسية أثبت من خلالها وجوده الإبداعي في بلده ليبيا وفي المهاجر التي عاش فيها مثل سويسرا وبولونيا والاتحاد السوفييتي.
كما أصدر حتى الآن خمسة وسبعين كتاباً في القصة والرواية والنقد الأدبي. ولعل القارئ الكريم يتذكر مجموعاته القصصية الأولى مثل "الصلاة خارج نطاق الأوقات الخمسة" و"جرعة من دم" و"شجرة الرتم"، أما رواياته المستقرة في الذاكرة فهي كثيرة ولا يمكن حصرها في هذا المجال الضيق، ولكننا يمكن أن نشير إلى "البئر"، "نداء الوقواق"، "نزيف الحجر"، "المجوس"، "السحرة" و"رسول السماوات السبع". لم يأخذ هذا اللقاء الخاص مع الروائي الليبي إبراهيم الكوني طابعاً أدبياً على الإطلاق، ذلك لأن معظم الصحفيين كانوا يبحثون عن تصريحات سياسية مثيرة تتعلق بالآراء التي كوّنها بعد ثورات الربيع العربي التي اجتاحت تونس ومصر وليبيا واليمن، ولما تزل مستمرة في سوريا، فلاغرابة أن يكون مفتتح هذا الحوار سياسياً ويؤشر من دون مواربة على صعود نجم الأحزاب الدينية التي غنمت مكاسب ومنجزات الثورات العربية من دون أن تشارك فيها. وقد استغرب الكوني في كيفية إدعاء رجل الدين العربي الذي لم يسهم كما أسهم الشباب مثلاً في تفجير هذه الثورات التي انتهت بإطاحة أعتى الأنظمة الدكتاتورية المستبدة، بأنه طرف مشارك، بل ويعطي الحق لنفسه في أن يمثل هذا الدين برمته ويذهب إلى مستنقع لا أخلاقي وهو السلطة. أكد الكوني بأنه يميل إلى طرح الأسئلة أكثر من تقديم إجابات جاهزة، وهو يدعو ممثلي هذه الأحزاب الدينية إلى أن يحافظوا على نقاء أديانهم، وأن لا يزجوها في "المبايعات" التي وصفها الكوني بأنها لا أخلاقية، "لأن صاحب السلطة لا يستحي حينما يلجأ إلى أية حيلة أو ذريعة خسيسة من أجل البقاء في السلطة"! أما المحور الثاني المهم الذي توقف عنده الكوني فهو موقف المثقفين العرب ودورهم في ظل الأوضاع الراهنة التي شهدت انجرار الشعوب العربية وراء التيارات الإسلامية حيث قال: "إن المثقفين العرب يعانون من إقصاء ممنهج وقوي في كل الأجنحة، ومن كل السلطات سواء السابقة أو اللاحقة" وأضاف بأن ممارسة هذا الاقصاء لا يقتصر على السلطات، وإنما يقوم به الشارع العربي لذلك فهو قاسٍ وخطير"، ويعزو الكوني ذلك إلى الإمكانيات المتواضعة للإنسان العربي الذي لا يقرأ كثيراً، ولم ينغمس في الشأن الثقافي بسبب لهاثه المتواصل وراء تأمين هاجس الطعام. وقد وصف الكوني هؤلاء الناس البسطاء بأنهم "يعيشون في كوكب، بينما يعيش المثقفون العرب في كوكب آخر) وهو يعتقد بأن ما يجري على أرض الواقع الآن هو نتاج لمراحل تاريخية سابقة، وأننا مازلنا نتخبط في عصر الظلمات، ولم ندخل مرحلة التنوير بعد! وفي رده على سؤال كاتب هذه السطور عن اختطاف الثورات العربية من قبل الأحزاب الدينية العربية قال:"إن غالبية الثورات تصب في نهاية المطاف في مصلحة أناس لا يستحقونها ولم ينزفوا فيها دماً ولا عرقاً، بينما يبقى النزهاء مهمشين، والبسطاء مضطهدين". لا يعتقد الكوني أن ليبيا تشذ عن شقيقاتها العربيات، فوضعها مثل أوضاع جيرانها من الدول العربية الثائرة التي أسقطت الطغاة، لكنها لم تقوّض مؤسساتهم التي رسخوها على مدى أربعة عقود أو يزيد. وعلى الرغم من تأكيده على أن الشعب الليبي هو شعب بسيط ومسالم، ولكنه، مع ذلك، ليس مثالياً، فالواقع يكشف أن هناك أطماعاً وعداوات ومشاحنات مستمرة، كما أن هناك جشعاً وإقصاءً للأقليات الأمر الذي يعمّق من هذه المشاحنات والخلافات التي لابد من إيجاد مخارج معقولة لها قبل أن تنفجر بوجه الجميع. يؤكد الكوني بأن عاش حياة طويلة وعريضة وعميقة، وقد قرأ التاريخ جيداً وصار بإمكانه أن يقول كلمته الموضوعية التي لن تسمح له، مع الأسم الشديد، بأن يكون متفائلاً جداً، فالتفاؤل هو نوع من الأحلام صعبة التحقيق.
ما زلنا نتخبّط في عصر الظلمات.. ولم ندخل مرحلة التنوير بعد!
نشر في: 2 إبريل, 2012: 07:27 م