TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: الجسم المعتقل

أحاديث شفوية: الجسم المعتقل

نشر في: 2 إبريل, 2012: 10:17 م

 احمد المهناالبعثيون تحرشوا مرتين بجسم المرأة، الممنوع والمسموح من أزيائه. الأولى مطلع السبعينيات، والأخرى مطلع التسعينيات. والحرشتان غريبتان على تراث حزبهم العلماني. فليس فيه موقف متشدد تجاه المرأة.  في الأولى حظروا ارتداء التنورات القصيرة.
 وكان الجواهري العظيم بين من استفزهم ذلك الموقف فكتب رسالته "المملحة" الشهيرة الى وزير الداخلية صالح مهدي عماش قائلا:أترى العفاف مقاس أردية، ظلمت اذا عفافاهو في الضمائر لا تخاط ولا تقص ولا تكافىمن لم يخف عقبى الضمير، فمن سواه لن يخافاثم يدعوه الى ان يضع الله بين عينيه ولا يثقل على بلد متعوس:أشع الحياة ولطفها في موطن يشكو الجفافاوسرعان ما طوى حكم البعث صفحة ذلك الموقف. ولكن صدام عاد الى موقف مماثل نوعا ما مطلع التسعينيات، مع "الحملة الإيمانية"، بقصد خطب ود تيارات الإسلام السياسي، وتعبئتها خلف معركته ضد "الإمبريالية الأميركية"، وتماشيا مع "الموجة الإسلامية" الطاغية. وقد تناوبت ظروف عراق صدام المريرة على المجتمع، خصوصا خلال الحصار الدولي، حتى أنسته العافية، في المخبر والمظهر، وأصبح حجاب المرأة أو زيها "الإسلامي" سترا من الفقر وملاذا آمنا من السماء، بعدما نفضت الأرض يديها من الرحمة بالناس، إناثا وذكورا. فلما سقط صدام، وانكشف العراق أنثويا عن "مظهر اسلامي"، سألت وقتها اسلاميا من "باب الشقه وغل ايدك": ها انت ترى ان صدام خدمكم فلماذا وقفتم ضده؟ثم جاءت ظروف ما بعد 2003 بالميلشيات الشيعية والسنية التي وضعت شكل المرأة على رأس أولوياتها. وقد نجحت على مدى سنوات في اعتقال جسد المرأة، سواء بدفعه الى الإختباء في المنازل، أو إلى اقساره على ارتداء الحجاب. ومع تراجع نفوذ الميليشات ونمو الدولة بدأ جسد المرأة في التحرر تدريجيا ونسبيا من المعتقل.ولكن رجاء قف، لا تهيء أفراحك. فها هي الحكومة، ممثلة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، تعمم على الوزارات في شباط الماضي كتابا يلزمها بتنفيذ" توصيات اللجنة الوطنية العليا للنهوض بالمرأة العراقية". وهذه التوصيات مقصورة على"الإمتناع عن ارتداء الملابس الضيقة أو القصيرة أو المزركشة..مع ضرورة الإلتزام بالحشمة والوقار في ارتداء الزي".وأنت لا تعرف كيف يمكن" النهوض بالمرأة" وانت تعاملها معاملة الطفل أو القاصر: إلبس كذا ولا تلبس كذا. والمرأة هي أم الحياة. أم المجتمع. خزان حريته أو عبوديته. فبأي مجتمع ستنهض اذا وضع جسدها في المعتقل؟إن العقل الحر يوجد في الجسم الحر، لأن الحرية لا تقبل التجزئة. فليس هناك عقل حر في جسم مستعبد، اللهم الا في حالة شيزوفرينيا. والزي يقع في باب الحريات المدنية المكفولة في الدستور. كما أنه عنوان مهم من عناوين احدى القيم الليبرالية، وهو "الخلاف". الخلاف في الفكر او في السلوك. وليس هناك اي معنى للديمقراطية من دون قبول الخلاف. فالديمقراطية في أهم وجوهها تتمثل بضمان حق الخلاف.  والزي فكر مثلما هو سلوك. والقرار الحكومي مثل على ذلك، فهو محاولة "أسلمة" بقوة الحكومة الملزمة في مواجهة ما يرونه "علمنة". أي فرض فكر ومحاربة فكر آخر. وهم بعد ذلك يسمون هذا النكوص عن الحرية الى الوصاية "نهوضا". ألا يملون إفراغ اللغة من معناها؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram