د.أسماء جميل رشيدأنتجت آليات الهيمنة الذكورية المتحكمة بالعلاقة مابين الجنسين شكلين من العنف الأول ملموس سواء كان ماديا جسديا أومعنويا نفسيا ،وهذان النوعان يمكن ملاحظتهما وقياسهما ، والثاني غير مادي ولامرئي حتى بالنسبة لضحاياه فيسميه بيار بورديو العنف الرمزي ،
ولتوضيح الفرق بين الشكلين سنستعرض أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في العراق إذ تكشف الدراسة التي أجراها الجهاز المركزي للإحصاء. إن هناك 22% من النساء يتعرضن إلى تقليل الشأن والإهانات اللفظية والرمزية كما تعاني 22% التحقير أمام الآخرين وإن 18% يتم ترهيبهنّ وتخويفهنّ بشكل أو بآخر ،كما تتعرض 19% إلى التهديد بالأذى والتلويح بالطلاق.وتعاني 83% من النساء المتزوجات بعمر 15-49 من سيطرة أزواجهنّ على حياتهنّ بكل أشكالها مثل عدم قدرتها على الذهاب إلى الطبيب إلا بموافقته ومصادرة حقها في الخصوصية والتحكم باتصالاتها ومحاولة التعرف بمن تتصل ومكان تواجدها في كل الأوقات، كما تتعرض. 21% من النساء إلى العنف الجسدي الذي يصل إلى حد القتل والتصفية، ففي الربع الأول من عام 2008، توفيت 136 امرأة لأسباب غير طبيعية، في إقليم كردستان وإن الغالبية العظمى من هذه الحالات كانت حالات حرق . وفي ذروة العنف الذي عصف بالعراق كانت هناك 15 امرأة في البصرة تقتل شهريا "على الأقل" من قبل عصابات إجرامية منظمة؛ بحجة مجافاتها الضوابط الأخلاقية والدينية."هذه الصيغ الكلاسيكية تمثل صوراً للعنف الظاهر والمعلن والخاضع للملاحظة بأدواته وتأثيره أيضا في مختلف الممارسات التسلطية ضد المرأة . غير أن هناك تجليات أخرى للعنف لا تزال غير مصنفة وغير مدروسة تتمثل في فرض الطرف المهيمن طريقته وأسلوبه في التفكير بوصفها الطريقة الشرعية الوحيدة وتبني الطرف المسيطر عليه (المرأة) هذه الأفكار بوصفها حقيقة غير قابلة للشك فتشترك الضحية مع جلادها في نفس التصورات عن العالم وعن المرأة وشرعية العنف الممارس ضدها. وقد كشف المسح السابق لظاهرة العنف الواقع على النساء عن هذا النوع بشكل عرضي وغير مقصود عندما حاول التعرف على موقف النساء أنفسهنّ من العنف الممارس ضدهنّ إذ أظهر أن 59% من المبحوثات تتبنى موقفا متقبلا من العنف وإن الأخير يجد تبريراته المشروعة في داخلهنّ من خلال تأييد ضرب الزوج لزوجته إذا أخلّت بما يرونه واجباتها الزوجية المتمثلة بالخروج من البيت دون علم الزوج وإهمال الأطفال والامتناع عن المعاشرة الزوجية والمجادلة وحرق الطعام . هذا الموقف المتقبل للعنف والذي يعكس تواطؤ الضحية مع الجلاد هو عنف رمزي.ويشكل مفهوم العنف الرمزي مدخلا علميا مهما لتحليل وتقصي وفهم الكثير من المواقف والممارسات التي تحط من شأن المرأة حتى وان كان الهدف المعلن منها غير ذلك ،وسنعطي مثالاً آخر على العنف الرمزي ظهر في الخطابات الرسمية، وفي التصريحات الأخيرة لوزيرة الدولة لشؤون المرأة التي ترفض فيها المساواة .وما أصدرته من تعليمات تدعو لفرض الحشمة على النساء ،وكذلك في القرارات التي أصدرها مجلس محافظة واسط في تشرين الثاني لعام 2009 والقاضية بتعيين محرم مع كل عضوة من أعضاء مجلس المحافظة بناءً على طلبهنّ .والمرأة في هذه الأمثلة تتمثل إيديولوجية رمزية تعطي للرجل أهمية وتقلل من شأنها وهي تتمثلها بصورة خفية دون أن تشعر بها .rnفي معنى العنف الرمزيالمقصود بالعنف الرمزي استخدام الرموز والدلالات والمعاني للسيطرة على الآخرين ، ويعرّفه بورديو بأنه أي نفوذ يفلح في فرض دلالات وتصورات معينة وفرضها بوصفها دلالات شرعية حاجبا ومُخفيا علاقات القوة التي تؤصل قوته وتعززها ، ويصفه بأنه نوع من العنف اللطيف والناعم إذ تتم السيطرة على المرأة وفرض الهيمنة عليها ليس عن طريق القوة الصريحة الواضحة وإنما عن طريق الرموز والمعاني والتصورات التي ينتجها الطرف المهيمن أي الرجل لتعزيز وتقوية وإدامة حالة الهيمنة. بمعنى آخر أنها عملية تأطير لأفكار ورؤى المرأة بشكل يضمن قبولها الخضوع لهيمنة الرجل وتأييدها فكرة عدم المساواة. ومن الأمثلة على هذه المعاني والدلالات التي تديم بنية الهيمنة هو تصوير المرأة عبر وسائل الإنتاج الثقافي المختلفة بأنها عورة وأنها مخلوقة من ضلع الرجل وأنها عاطفية غير عقلانية وكائن ضعيف ملحق بالمذكر لايكتمل وجودها إلا به .هذه التصورات تخدم الصيغ العلائقية التي تكون المرأة فيها الطرف التابع أما الرجل فهو السيد المتبوع . وأخطر ما في هذا النوع من العنف هو أنه يحدث بتواطؤ الضحية التي يقع عليها ،بمعنى أن المرأة تتمثل الأفكار التي تعزز تفوق الرجل عليها وتبخس قيمتها وتبدأ تدافع عنها وتحميها وتعيد إنتاجها بوصفها من البديهيات ،وبذلك تعمل المرأة على إدامة بنية الهيمنة الذكورية .rnآليات العنف الرمزي يتدفق
تجلّيات العنف الواقع على النساء..قراءة في مفهوم العنف الرمزي
نشر في: 3 إبريل, 2012: 08:17 م