TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: عملية سياسية "شمولية"

أحاديث شفوية: عملية سياسية "شمولية"

نشر في: 3 إبريل, 2012: 10:55 م

 احمد المهنالعل تبادل الاتهامات بتهريب النفط، بين الحكومة الاتحادية وبين حكومة اقليم كردستان، مثل ممتاز على اتصاف العملية السياسية بنوع من "الحكم الشمولي". من كشف عن وجود مثل هذا التهريب؟ ومن اتهم من؟ الساسة. والساسة وحدهم. فهم "الصحفيون". وهم "القضاة". هم الكل بالكل.
إن خضوع القضاء للسياسة يجرده من القدرة على اتهام او محاسبة مرتكبي هذا الفساد. كما ان ارتباط وسائل الاعلام بالعملية السياسية، أي بهذا الطرف منها اوذاك، يجردها من القدرة على كشف مثل هذا الفساد. وغياب النقابات المستقلة لعمال ومهندسي وموظفي قطاع النفط يحول دون قيامها بدور في مكافحة هذا الفساد.ويحتل العراق مرتبة متقدمة في قائمة أفسد الدول. ولكن لا الإعلام ولا القضاء كشف قضية فساد واحدة من الدرجة الأولى. وخطورة هذا الموضوع، وهي أكيدة، ليست وحدها السبب. السبب الأهم هو خضوع الإعلام والقضاء بهذه الدرجة او تلك للعملية السياسية.لقد أفرغت السياسة على مدى عقود المجتمع من كل أسباب قوته. وبعد التغيير عام 2003 تجمعت الكتل السياسية في ملعب "العملية السياسية". واللاعبون في هذه العملية، على شدة تنازعهم وفقدان الثقة بينهم، لهم ملعب يتبارون فيه وهو السلطات من تنفيذية وتشريعية وقضائية وإعلامية. وهم يملكون، كما في كل دولة ريعية، السلطة والثروة.وبغياب القانون المستقل، الإعلام الحر، والنقابات والجمعيات غير الحكومية فعلا، أو بخضوع هذه المؤسسات الثلاث ل"العملية السياسية"، استقلت السياسة عن المجتمع، واستقوت عليه، وشلته. فهذه المؤسسات الثلاث هي أعمدة الديمقراطية. ومجموعها يمثل القدرة على المحاسبة. وجوهر الديمقراطية هو المحاسبة. ودون إخضاع السلطات للمحاسبة لا توجد ديمقراطية.ان هيمنة العملية السياسية جعلت منها نمطا من الحكم الشمولي. ويبدو وصف العملية السياسية بالحكم الشمولي غريبا أو شاذا. فثمة صور ديمقراطية "فالتة" كثيرة جدا في البلاد. ولكن "الفلتان" لا يعد من الديمقراطية في شيء، بل قد يكون مقتلها، لأن القانون سيد الديمقراطية. ان فروق الشكل كثيرة وهائلة بين شمولية صدام وبين شمولية العملية السياسية. الأولى معدومة الأمل. الثانية مجهولة المصير. الأخيرة جمهورية كلام. والأولى جمهورية صمت. والفرق جذري بين الصمت والكلام. فالصمت يأس. والكلام أمل. ولكن جذرية الفرق بينهما تعود الى فاعلية الكلام. فالكلام من دون فاعلية شقيق الصمت. وهذه هي حال الكلام مع "العملية السياسية" الصماء.الحكم الشمولي (التوتاليتاري) هو حكم الحزب الواحد. وجوهره إلغاء المجتمع المدني، أو إفراغ المجتمع من القدرة على التعبير عن نفسه، ومن القدرة على تمثيل نفسه. وهذا الجوهر هو ما يشترك به حكم عمليتنا السياسية مع الشمولية: "السوق"، وهي قاعدة المجتمع المدني، مرتبطة بالحكومة، والقضاء والإعلام والنقابات والمنظمات غير الحكومية أجزاء من "العملية السياسية". أليست هذه شمولية من نوع ما؟ شمولية ولكن موسعة خلافا للشمولية التقليدية الضيقة؟ ولعل أهم اسباب هذه الحالة هي ولادة "ديمقرطية التوافق" قبل نهوض سلطة القانون. فقد قامت الديمقراطية العراقية قبل أن توجد أجهزة عدالة جنائية قوية. ومن المستبعد أن يطرأ على شمولية العملية السياسية تغيير، من دون توفر أحد عاملين، أو كلاهما، وهما اكتساب أجهزة العدالة الجنائية قوة تعلو على السياسة، أو خروج السياسة من حكم التوافق الى نظام المعارضة والموالاة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram