سليمة قاسماستعداداً لعقد القمة فاجأتنا الحكومة بقرارها إعطاء عطلة رسمية لمدة عشرة أيام ،وقد شملت الموظفين والعاملين بأجور يومية على حد سواء. عطلة القمة كانت عطلة استثنائية بكل المقاييس، ليس من وجهة نظر الحكومة فقط ، فهي أطول عطلة رسمية في تاريخ العراق أولاً،
وكانت أشبه بحجز إجباري ثانياً. فالإجراءات الأمنية المكثفة، وإقامة سيطرات جديدة والانتشار الكبير للجيش في الشارع، وما سببه كل ذلك من زحامات خانقة جعل من مجرد تفكيرنا بالخروج للتنزه أو زيارة الأقارب ضربا من الجنون في ظل تلك الأجواء التي أعطتنا دفعة كبيرة من الإحساس بالعجز والاختناق، عكس شعوب العالم المتحضرة التي تقضي العطل بهدوء وسكينة ولا يشغلها سوى الإبداع والتطور في خدمة بلدانهم التي وفرت لهم استقرارا سياسيا واقتصاديا نفتقده نحن .أغلب أحاديثنا كانت تدور- ونحن ننتظرعقد القمة- حول الزحام والانفجارات وتردي الوضع الأمني، وهي أمور ليست جديدة، أما كلمة القمة فقد ترددت آلاف المرات من على شاشات القنوات الفضائية وعلى لسان سائقي السيارات وحتى بائعي الفواكه والخضراوات حين يعللون ارتفاع أسعار بضائعهم..أما نهارعقد القمة فقد كان قاسيا بكل ما للكلمة من معنى، لم تتأت قسوته من حظر التجوال غير المعلن ولا من خطوط الاتصال التي انقطعت ونفي الحكومة مسؤوليتها عن انقطاعها ، ولا من تراكمات الأيام التي سبقت عقدها وما خلفته من ضحايا حصدت المفخخات أرواحهم، بل من معرفتنا المسبقة بما ستخرج به القمة من توصيات ستظل حبرا على ورق، تلك القسوة ضاعفتها قنواتنا الفضائية المحلية التي نقلت حدث القمة نقلا حيا ومباشرا، أعاد إلى الذاكرة ما كان يفعله الطاغية حين كان يحتل شاشة القناة الوحيدة في البلاد ليتحدث ساعات طوالاً عن بطولاته وعنترياته التي ما أنزل الله بها من سلطان .أما على الصعيد العائلي فقد تباينت ردود الأفعال حول عقد القمة، ابني الصغير بسنواته التسع سألني متذمرا بعد أن عجز عن إيجاد قناة لا تظهر فيها التغطية الحية للقمة "ماما شنو يعني قمة؟"احترت كثيرا في اختيار جواب مناسب يلخّص تاريخ القمة ،أجبته أن الرؤساء العرب يجتمعون في دولة واحدة، ويبدو انه اكتفى بهذا الجواب وحسنا فعل وإلا كنت سأضطر إلى إخباره أنهم يجتمعون ليلقوا خطبا عصماء قبل أن يعودوا إلى ديارهم .أما ابني المراهق فكان متحمسا لعقد القمة ونجحت كلمات الرؤساء والقادة العرب في جذب انتباهه إذ لم يألفها سابقا كما اعتدنا نحن فما زالت جديدة على مسامعه، أما من جانبي فلم أحاول التقليل من حماسته تلك فالزمن كفيل بتعليمه الكثير. ونحن نتابع أحداث القمة التي تعد الأضخم إنفاقا في تاريخ القمم إذ تقدر المبالغ التي أنفقت فيها حوالي مليار دولار، برزت فيها تناقضات عدة ، فأي من رؤساء الوفود لم يشر إلى التجربة الديمقراطية التي شهدها البلد بعد سقوط النظام، فيما تحدث البعض الآخر منهم عن الأنظمة الاستبدادية التي تم إسقاطها في بلدانهم مثل تونس ومصر وليبيا مع وجود ممثلين لأنظمة عربية أخرى تحكم بلدانها بطريقة الوراثة ، ورغم أن احد الرؤساء العرب تلاحقه المحكمة الدولية كمجرم حرب لارتكابه جرائم إبادة ضد أبناء شعبه، لكن كل ذلك لم يمنعه من الحديث عن معاناة شعبه ومحاولاته التخفيف منها. وقد أجمع معظم المتحدثين عن رفضهم التدخل الأجنبي في سوريا وسائر الدول العربية،رغم أن بعض الأنظمة التي تحكم بلدانها اليوم كان التدخل العسكري سببا في مجيئها للسلطة ، أما نشوة الحكومة بالقمة فقد عكرها مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في اسطنبول بعد أيام قلائل من انتهاء قمة بغداد، وقد يكون ذلك من ثمار عقدها التي جنيناها بسرعة غير متوقعة !قمة بغداد وعطلتها التاريخية أجبرتنا على تحمل الكثير من المصاعب والآلام، وهي قابلة للزيادة،لا سيما وان حكومتنا أبدت استعدادها لتضييف مؤتمر الدول الإسلامية، لا لشيء إلا لإزالة شكوك أبدتها دول عربية تجاه قمة بغداد، حينها قد تكسر الأرقام القياسية التي حققتها قمة بغداد في عطلتها الرسمية وإنفاقها الضخم وشوارعها التي تحولت إلى ثكنة عسكرية ،وكلّ قمّة وأنتم بخير.
قمّة بغداد من وجهة نظر شخصيّة
نشر في: 4 إبريل, 2012: 08:54 م