سلام خياطاستحضر طيفها – لينجدني – كلما واجهتني جهالتي بأصول النحو والصرف ، أو تلكأت برهة للتأكد من وضع الهمزة على كلمة عويصة النطق . أذكرها كلما ازددت ظمأً للمعرفة ، أذكرها كلما تمثلت بيتاً من قصائد المتنبي للشتيمة أو الاعتداد، أتمثلها كلما هفهف ثوب سندسي اللون تتماوج بين طياته زهور النرجس، أذكرها كلما قرأت عملاً أدبياً مبدعاً، وصحت آآآآآه .
هي التي زينت لنا السير في دروب غواية عشق اللغة العربية، وعلمتنا أسرار الأبجدية ، وحذرتنا من أن نكون لها عبيداً ..على طريقة من علّمني حرفاً صرت له عبداً .إنها المربية الأديبة (ديزي الأمير) التي كانت لي حظوة أن أكون واحدة من تلميذاتها في مدرسة بالبصرة كان أسمها (متوسطة العشار للبنات) كانت حريصة على تعليمنا حرص أم علي وليد، شجعتنا على التحليق دون منطاد ولا أجنحة ، يسرت لنا درس (النحو الواضح) الذي لم يكن واضحا البتة ، بأسلس وأرشق العبارات ، تركت لنا اختيار مواضيع الإنشاء لتحكم على ذائقة وقدرة كل طالبة على إنفراد ، .. كانت دليلنا للمكتبة العامة بالبصرة ، حيث التأمينات بدينار – ما أبهظه من مبلغ آنذاك – والاستعارة ببلاش .بفضلها تعرفنا على الحقول والمراعي التي بذر بها كبار الكتّاب صنوف المعرفة ، عرباً وأجانب : طه حسين بجانب ديكارت وروسو ، جبران إلى جانب فيكتور هوكو ولامارتين ، سعيد عقل برفقة ابن طفيل، الجواهري ، شوقي ، طه باقر ، سلامة موسى ، السياب في بداياته ، و...و...عشرات غيرهم . ألهمتنا طريقة استعمال المعاجم لنشهد أصول الكلمات وفروعها والنافر منها ، والمألوف .تخصص فسحة من الحصة للنقد : هيا أنقدوا المتنبي ! تخيلوا طالبات مدرسة متوسطة يتاح لهن نقد عملاق الشعر . أية ثقة بالنفس منحت طالباتها لكسر حاجز الرهبة واجتياز هاجس المستحيل .سيدتي .... هل توفيك حقك كلمة امتنان اتلمض بها بلثغة طفل يجرب قدرته على الكلام ، فتتعثر على لسانه حروف الأبجدية؟ لو كانت الأماني تبتاع وتتجسد ، إذن لاستنسخت آلاف النسخ من معلمتي، أوزعها على مدارس الوطن العربي، ولاحتفظت بالحصة الأكبر لمدارس العراق، التي أغرق طلبتها في التيه، فما عادوا يميزون بين الفعل والفاعل والمفعول به. لسيدتي عاطر الذكرى ، ولزمن بهي مستثنى بكل أدوات الاستثناء، كلما نأينا عنه اقترب.
السطور الأخيرة: أبجد هوز : الأميرة ديزي الأمير
نشر في: 4 إبريل, 2012: 09:21 م