شاكر الأنباريأغلب التحركات السياسية، ووجهات النظر، ونتائجها التي نتابع حصولها في السنوات الأخيرة تقود، قليلا قليلا، إلى تهشيم الرابطة الوطنية للعراقيين، كون العامل المناطقي، والطائفي، والتعصب، والثأر، والكيدية، تلعب دورا كبيرا فيها، سواء نحو ما يجري في الداخل أم على صعيد علاقات العراق ومواقفه من الأحداث العربية والدولية.
وهو خلل كبير في رؤية الأحزاب الموجودة في السلطة، والمعارضة، خاصة اذا ما ادركنا ان مواقف كثيرة تتخذ من اجل مماحكة الخصم، وتفنيد رؤيته. اي ان المصلحة الوطنية بعيدة كل البعد عن المواقف التي تتخذ. وهذا ما يراه المواطن ايضا عبر الاعلام ويتأثر به حتما، في ضوء حقيقة ما يجري من خلط للأوراق، وتناقض التصريحات والمواقف، وافتقاد سياسة واضحة على الصعيد الداخلي والدولي. وكأن السياسة وممارساتها، بالطريقة التي نراها، تشكل عامل فرقة، وتنابذ، وتقوقع، على الذات الجهوية والدينية والقومية. هذا عكس ما تخلقه فعاليات اخرى أخذت تنتشر في الواقع العراقي. فعاليات يعول عليها لكي تكون معادلا لما تخلقه السياسة من تخلخل الهوية الوطنية، والبيئة العراقية التي يفترض بها أن تظل بعيدة عن الأوبئة والأمراض في المجتمع. معرض المدى للكتاب في أربيل، على سبيل المثال، وقد بلغت عناوينه المليون، كما تقول التقارير، يجسّر هوة كبيرة بين الثقافة العربية والكردية، أيضا من خلال فعالياته الفكرية والتشكيلية والموسيقية، والابداعية، وهذا ما نحن بحاجة اليه في ظل التوترات بين الحكومة والاقليم، وانعكاس ذلك على العلاقات الاجتماعية، والانسانية، بين كرد العراق وعربه. وليس بعيدا عن اربيل ينعقد مهرجان ابو تمام الشعري في الموصل، حيث تقاطر الى ام الربيعين عشرات الأدباء من محافظات العراق كلها، ليتحاوروا، ويناقشوا واقع الثقافة العراقية، ويكرموا عددا من المبدعين لاسهاماتهم الشعرية المميزة في مسيرة الثقافة الوطنية. مما يلقي حجرا كبيرا في البركة الطائفية، والجهوية، والريبة الاجتماعية بين مكونات الوطن الذي يفترض ان يتسع للجميع، وبالتساوي، تجاوزا لعقدة، الكمية والنخبوية، لهذا المكون او ذاك، هذا الدين او غيره. عدا ذلك تابعنا، وشاركنا، في مهرجانات اخرى اقيمت في المحافظات، كمهرجان الرواية في البصرة، ومهرجان الجواهري في بغداد، ومهرجان كزار حنتوش الشعري في الديوانية، ومهرجان القصة في النجف، فضلا عن المهرجانات الموسيقية والفنية والتشكيلية والمسرحية. وكلها تحمل الهاجس العراقي لدفع المأزق الى فضاء الحرية والانفتاح، ومعرفة الآخر معرفة حقيقية دون احكام مسبقة، بعد ان اصبح الحوار الحر حول كل شيء رافعة لتمتين اللحمة الوطنية وازالة الالتباس بين النخب الثقافية. بدأت الثقافة الوطنية العراقية تتصلب إذن، وتينع، كي تكون المتكأ الأخير للوطن. انه انجاز للمثقفين العراقيين الذين يهمهم مصير البلد، ويهمهم ان تكون القوى السياسية الحاكمة على قدر أكبر من المسؤولية لمعالجة الملفات المتراكمة المتداخلة، وحلحلة العقد المستعصية، خاصة أن الثقافة أصبحت عينا فاحصة، وناقدة لما يجري، وتقف في المقدمة من اجل مجتمع حضاري. هي التي تمتلك مقومات الفضح، والتنوير، واشاعة المعرفة التي يريد البعض محوها بواسطة التجهيل، والظلامية، والخرافات، من اجل خلق شعب قطيعي، يقاد ببرامج عامة، وشعارات كبيرة تدغدغ العواطف والترسبات الذهنية اكثر مما تعبر بالبلد الى ضفاف التطور، والحياة الحديثة التي تتمتع بها أغلب شعوب الأرض.
كلمات عارية: مهرجانات اللحمة الوطنية
نشر في: 6 إبريل, 2012: 10:32 م