 سعاد الجزائري الثقافة تتجاوز الحدود والعوائق التي تحاول أن تدير مسيرة المجتمعات نحو الخلف.. وقد لا يجد السياسي مكانا له حينما يتم رفضه من المجتمع، لكن المثقف غالبا ما يجد أمامه كل الأماكن حتى وإن كانت مزدحمة.. لإن الفكر والمعرفة هواء تجده في كل المساحات.
في ظل أزمات سياسية وفكرية واجتماعية، تأتي التظاهرات الثقافية كرد فعل سلمي لكل ما هو عنفي، ويبقى حضور تلك الأفعال أكثر حضورا وتأثيرا وتأثرا بالمتلقي أيا كانت جنسيته أو هويته أو قوميته.في هذا الزمن الرديء تم تفجير شارع المتنبي، وراح ضحية هذا الشارع الكثير من العاملين في حقل طباعة الكتب أو نشرها أو توزيعها، أو بيعها على أرصفة العلم والمعرفة. كانت الضربة موجعة في وقتها، ومازال جرحها يوجعنا حتى اليوم، لأن محاولة اغتيال الثقافة وكل ما يتعلق بها أو حولها تؤلم كل من يبحث عن منبع النور في ظلمة أراد البعض لها أن تسود عراق الثقافة والحضارة.لكن هذا الشارع عاد إلى حياتنا ووجداننا بقوة، وافترشت الكتب أرصفته ودرابينه الضيقة مساحةً والواسعة معرفياً.عاد المتنبي إلى شارعه وبقي رافعا يده نحو سماء ستحمي كل ما تحتها في هذا الشارع، لأنها احتضنت سابقا أرواحا تسامت إليها حينما تم تفجير هذا المعلم الثقافي.اليوم ، وفي معرض أربيل الدولي للكتاب، وفي ركن احتل موقع القلب من المعرض، علقت صورة كبيرة للمتنبي كتب أعلاها عبارة (ساحة المتنبي)، خصصت للندوات، وإذاعة المعرض والاهم من هذا وذاك، أقيم عليها المعرض التشكيلي الذي ساهمت به وزارة الثقافة العراقية.جلس الشباب والشابات تحت هذه الصورة يتبادلون الكتب، أو عبارات الحب، لكن الأهم أن المتنبي وجد له موقعا في معرض أقيم في هولير عاصمة إقليم كردستان. إن محاولة إلغاء المتنبي من شارعه كانت هدفا حينما تم تفجير شارع الثقافة العراقي المسمى باسم هذا الرمز الفكري، لكن رد الفعل كان أقوى من الفعل، حينما عادت الحياة بقوة إليه.ساحة المتنبي في المعرض الدولي للكتاب في أربيل، ساحة للثقافة وللتعبير عن رأي من يريد أن يجد له منبرا في معرض تلونت كل زواياه بأغلفة كتب تنوعت في عناوينها، ومضامينها، وبين هذه العناوين تجول الناس بمختلف أعمارهم وأهوائهم ، كل يبحث عن ليلاه .نتمنى أن تبقى هذه الساحة في المعارض المقبلة، على أن تفعل أكثر، ليكون المتنبي بيننا أينما كنا في بغداد أو أربيل.