TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: صافح أو لا تصافح

أحاديث شفوية: صافح أو لا تصافح

نشر في: 7 إبريل, 2012: 11:08 م

 احمد المهناليس هناك موقف ديني موحد، على ما أعرف، من المصافحة بين الرجل والمرأة. ولكن أحد المواقف يحرمها. وهذا الموقف محترم، شأن أي موقف يبنى على عقيدة. وعقائد الناس ينبغي ان تكون مقدرة على الدوام. وليس هناك تقدير لها أكثر مما هو موجود في لوائح أو قوانين حقوق الإنسان الدولية.
فهذه القوانين تضمن من دون أي لبس "حرية الدين"، وما يستتبعها من أنماط سلوك وطقوس وشعائر. والواقع أن ضمان هذه الحرية بالذات، لم يصل الى اعلى درجاته إلا في ظل حقوق الإنسان خصوصا، والديمقراطية الليبرالية عموما. ان المجتمعات المحكومة بقيم الديمقراطية الليبرالية ملزمة قانونا، ومن ثم بحكم الممارسة عرفا، باحترام "الخلاف" في العقيدة والإعتقاد، وما يترتب عليهما من أنماط رؤى للعالم، ومن طرق عيش الحياة.ولكن كل ذلك لا يمنع إخضاع كل شيء للمناقشة والتحليل بقصد الفهم والإدراك. فالمجتمعات التي تعرف بأنها مفتوحة تخضع كل المعتقدات للمناقشة، كما تمارس "التسامح" مع كل المعتقدات. والأمر الوحيد الذي لا تسامح معه في مجتمعات التسامح هو استخدام القوة ضد أو مع المعتقدات، لأن ذلك يعني منع حرية الفكر، أو "جعل الفكر تسديد أو تلقي ضربة سيف" على رأي سبينوزا.وبالتالي فان الحريات الضامنة للدين وللتفكير، تسمح بمناقشة موقف مثل ذلك الذي يمنع المصافحة بين المرأة والرجل. البعض يفعل ذلك من منظور الدين نفسه، والبعض الآخر من منظور العقل الذي لا وصاية عليه من خارجه.ومن هذا المنظور الأخير يبدو ان ما وراء منع المصافحة بين الذكر والأنثى هو التخوف من أن تكون سببا للإثارة الجنسية. واذا صح ان هذا هو السبب فان هناك معضلة في رؤية كل من الجنسين تجاه الآخر. أول مستويات هذه المعضلة هو الكبت الذي يبعث الإثارة من مجرد مصافحة. ثاني المستويات هو مصدر ذلك الكبت، وهو نظرة وطريقة حياة ينطويان على نوع من منع الإختلاط المتوازن بين الجنسين. المستوى الإخير والأخطر هو اختزال كل من الجنسين للآخر في"الجسد". فالآخر هو جسد في المقام الأول.وخلاصة هذه المستويات قد تؤدي الى تجريد الجنسين من طابعهما البشري، واختزال الإنسان عموما في بعد وحيد، هو البعد الغريزي. وهذا ما لا يمكن ان يحدث للحيوان نفسه. فلا وجود لحيوان يقبل الإختزال بهذا البعد وحده. فنحن نرى قطعان الحيوانات تمارس حياتها العادية من دون استثارة طوال الوقت، ومع الإستثارة في أقل ما يمكن من الوقت.وليس هناك على ما اعتقد شك في ان الدين والعقل معا يرفضان خفض الانسان الى هذه الدرجة من التوحش. فهل تتعب المجتمعات في التربية والتعليم والكدح والإبداع لتصل الى جنسين لا شغل لهما ولا عمل الا استقصاد احدهما للآخر جنسيا؟هل نهض الانسان بهذه الحصيلة العظمى من الحضارة لينتهي به الأمر الى هذا المصير؟ وهل كان يمكن لكل هذه الحضارة أن تقوم أصلا لو ان الإنسان هو مجرد "حيوان جنسي"؟إن الحق مع الجميع في أن يصافح أو لا يصافح. ولكن الواجب على الجميع منع التوحش في النظرة الى الجنس الآخر. وإنني أدعو بالعمى لكل عين لها هذه النظرة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram