TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: الابتزاز أولاً وثانياً وثالثاً

العمود الثامن: الابتزاز أولاً وثانياً وثالثاً

نشر في: 7 إبريل, 2012: 11:09 م

 علي حسينهناك نوع من الأخبار عديم اللون والطعم والرائحة، يثير الاستغراب بقدر ما يثير الضحك، وغالبا ما تأتي هذه القفشات الخبرية من مصادر مجهولة لا ينبغي للناس أن تعرفها، فهي عليمة وفهيمة، أصحابها مجهولون  لكنهم واسعو الاطلاع والخبرة، هذه النوعية تنتمي إلى صنف انقرض من صحافة الإثارة
التي غالبا ما يكتشف القارئ أن المصدر الوحيد فيها هو الخيال الجامح لصاحب الصحيفة.. في هذا الإطار يمكن التعامل مع الخبر الرئيسي الذي نشرته الزميلة الصباح أمس على ثمانية أعمدة وبـ"البنط العريض" كما يسمى بلغة أهل الجرائد.فالمصادر المطلعة اكتشفت أن القوات الخاصة تمكنت من إلقاء القبض على عصابة إرهابية داخل المنطقة الخضراء تخطط لاغتيال شخصيات سياسية.. وقالت المصادر المجهولة للقارئ أن شخصية سياسية عالية المستوى كانت مستهدفة.. والطريف أن الخبر ينتهي بجملة سنظل نقلبها ذات اليمين وذات الشمال دون أن نحل لغزها لأنها أي الجملة تقول "لم تكشف المصادر مزيدا من التفاصيل". والحاصل أن هذه التسريبات الكوميدية ستظل تلاحق المواطن المسكين من الآن فصاعدا باعتبارها فصلا جديدا من كوميديا أوسع واشمل اسمها "المؤامرة على الحكومة" والتي بدأت بفزاعة المخطط الشيطاني التخريبي القادم من ساحة التحرير حيث سعى ثلة من الشباب لتنفيذ أجندة خارجية ضد حكومتنا المسالمة صاحبة الرقم القياسي في الانجازات الخدمية والتعليمية والصحية، ثم تطورت الأمور مع سيل من البيانات الثورية التي أطلقها قادة أمنيون صاحبتهم فيها إيقاعات على مارش عسكري عزفه عدد من المقربين اقسموا جميعهم بأغلظ الإيمان على أن المنطقة الخضراء كادت تتعرض لهجوم كاسح لولا لطف الله بعباده الصالحين .هكذا بدأت المصادر العليمة تمارس قصفا جديدا على عقول الأبرياء من الناس، بكل أنواع أسلحة التضليل وحرف الحقائق، بأكداس من الخرافات، كي نستغرق مع الحكومة في الحديث الصاخب عن الانقلابات العسكرية والمؤامرات التي تحاك في الظلام وننسى ان واجب الحكومة هو تكريس الجهود للبناء والتنمية وتطوير قدرات العراقيين وتأسيس دولة المواطنة، للأسف مايزال البعض مصرا على أن لا تحريك لأي ملف ما لم يتم القضاء على كل المتآمرين الذين دخلوا إلى المنطقة الخضراء سهوا .كنا نعتقد واهمين ان الخطر الاكبر الذي يواجه البلاد هو الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، والمحسوبية والانتهازية السياسية وغياب الكفاءات وسرقة المال العام، لكن المصادر المجهولة تفاجئنا كل يوم أن اخطر ما يواجه الناس هو سقوط المنطقة الخضراء بيد الأعداء، وهي نكتة ربما تكون ثقيلة على سمع العراقي المسكين الذي تيقن وبالدليل القاطع أن المنطقة الخضراء سجينة بيد سياسيين يمزجون السياسة بالكوميديا منذ سنوات، يزينون للحكومة أفعالها ويطالبونها بالاستمرار في نهجها إلى أبد الآبدين، هؤلاء تيار آخذ في التزايد ويكتسب كل يوم أرضا جديدة.ولان الحكومة مهتمة براحة بال المواطن فإنها لا تريد له الدخول في تفاصيل هذه المؤامرات كما سعت من قبل ألاّ تشغل تفكيره في مهلة المئة يوم التي اعطاها المالكي لنفسه لتحسين.. للأسف مثل هذه الأخبار تدغدغ مشاعر المخدوعين، لكنها في المقابل وسيلة لابتزاز قطاع كبير من العراقيين، بطريقة الخوف الدائم من المجهول، حين يصر البعض على اتهام الناس بان أمنهم في غرفة الانعاش ولن يشفى ابداً. وهذه حقائق وليست رجما بالغيب أو ادعاء معرفة أو خبرة، لكنه الواقع يؤكد بان الحكومة تسعى لاستخدام الشائعات كسلاح في معركتها السياسية مع خصومها، فالحكومة تلاعب الناس بالأوراق، تسرب وتفبرك الأخبار، لتبتزّ الخصوم وأيضا لتستهلك المواطن في حروب فارغة.ولكن هل يعلم أصحاب هذه الأخبار أن المشكلة ليست في غياب المصدر، ولا في حقيقة هذه الأخبار، لكنها في أشخاص مصرين على أن يقهروا الجميع. أيها السادة توقفوا عن هذه الافلام الهابطة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram