أحمد عبد الحسينإنْ كان لدى أحدٍ ما شكّ في أننا سائرون نحو الديكتاتورية، ببطء، لكنْ بثقةٍ وعمقٍ، فله أن يزيل شكّه هذا بعد قراءة الوثيقة التي أرسلتْها الحكومة إلى البنك المركزي "تأمره" فيه بأن تكون قيّمة على سياساته، أي أن يرتبط البنك بها، وبعبارة أفصح وأوجز أن تهيمن الحكومة على اقتصاد العراق
.آخر الهيئات "المستقلّة" على وشك السقوط بعد قصف مدفعيّ مكثف من قبل مكتب رئيس الوزراء، آخر القلاع التي يكفل الدستور استقلالها تتهاوى ، والمفارقة ان هذا الكتاب من قبل مكتب مجلس الوزراء يأتي بعد يوم واحد فقط من إشادة المرجعية الدينية بكفاءة وحسن أداء البنك.بالأمس اعترض محافظ البنك المركزي العراقيّ على طلب الحكومة الاقتراض من البنك لتمويل قمة بغداد العربية، اعتراضه جاء ـ وهو الخبير الاقتصاديّ الذي لا يختلف على مهنيته اثنان ـ لأن اقتراضاً كهذا سيضعف قيمة العملة العراقية، وجاء ردّ حكومة السيّد المالكي سريعاً من خلال هذا الكتاب الذي من شأنه إزالة اللبس ورفع الشكّ في سيرنا الهوينى نحو ديكتاتوريّة ستكون فاحشة لأنها مسلّحة بأكبر احتياطيّ للنفط في العالم ويديرها أشخاص ترقّوا في المفاسد حتى انقلبوا من فقراء معدمين إلى رجال يناطحون أغنى شخصيات الكرة الأرضية، أشخاص تلاقفوا السلطة تلاقف الكرة كما أمرهم جدهم الروحيّ من قبلُ الذي حلف ما من جنّة ولا نار.الهيئات التي كفل الدستور استقلالها تمّ التهامها واحدة إثر أخرى، وهي تمثل مفاصل الدولة العراقية، فالإعلام "إعلام الدولة" رأينا ونرى كلّ يوم أداءه الذي لا يخفي تهليله وتطييبه لكلّ همسة يهمس بها رأس الحكومة، ويبارك كلّ فعلٍ حتى لو كان من قبيل غلق الطرق، للمثال فإن صحيفة ما نشرتْ تحقيقاً طويلاً عريضاً تقول فيه إن العطلة الإجبارية أيام القمة وغلق شبكات الهاتف وقطع الطرق ومنع التجوال كلها مكارم من القيادة السياسية للحزب والثورة.السلطة وحش كاسر، وصاحبها منهوم لا يشبع، جميعنا يعرف هذه الحقيقة، لكنّ وحوشنا العراقية أشدّ نهماً، ليس لأنهم اغتنوا بعد مسكنة فحسب، ولا لأنهم أبناء مصادفةٍ في زمن أتتْ به المصادفات بالمعاجز، ليس هذا فحسب بل لأنهم مسلحون بقداسةٍ هي غلاف أحزابهم وانتماءاتهم العقائدية التي تجعل ممن يتلبسها إذا أراد أن يسحق أخوته فهو يسحقهم بدم بارد، وإذا أراد أن يراكم المال حلالاً وحراماً فهو يراكمه حتى لو اضطرّ أن يجعل بجوار تلّ المال تلّ جماجم.للمرة المئة نتساءل : هل نحن سائرون إلى ديكتاتوريّة بطانتها النفط والدولار وظاهرها من قبلها العقيدة؟ الويل لنا إنْ غذينا هذا الوحش بصمتنا وطمعنا وحبنا السلامة وإيثارنا الجبنَ على قول كلمة حقّ.
قرطاس: سقوط هيئة مستقلّة
نشر في: 8 إبريل, 2012: 09:45 م