سرمد الطائييصادف اليوم أول ذكرى لسقوط صدام حسين بعد انسحاب أمريكا من العراق. الأعوام الماضية شهدت ولادة اكبر احلامنا، كما رسمت صورا لرحيل آلاف العراقيين بطريقة مؤلمة جدا، وتبدد آلاف الاحلام على نحو محبط للغاية.. وطيلة تلك السنين لم يتوقف الناس عن التشبث بالصبر والتحديق في وجه مفارقات عميقة تحدث في سيرة تغيير دخلت هذه اللحظة عامها العاشر.
في مثل هذا اليوم عام 2003 انتهت الحشود من إسقاط تمثال الدكتاتور الشهير، ورحنا رغم كل ألم الحرب نحاول ان نفرح، فالامر يعني ان البلاد تخرج من قبضة سلطان عزلها عن العالم، وكل الاسباب تريد للعراق ان ينفتح على اقدار تليق به، ويعوض اهله عن كل الدمار والخراب، رغم مخاوف كنا نتحدث عنها كل لحظة من طريقة رسم المستقبل.ومن يومها رحنا كعاملين في الصحافة وصناعة الرأي العام، ندعم العصر الجديد للعراق، ونسجل مع سوانا في الوقت نفسه، كل المحاذير التي تحيط بالتجربة الوليدة والتي ظهرت مبكرا على شكل عنف أعمى وسياسات متخبطة لرعاة هذه التجربة محليا وإقليميا ودوليا. ولكن ما الذي حصل بعد كل ذلك؟بعد دخولنا العام العاشر من العصر الجديد، تجد من يعترض عليك وأنت تنتقد السلطة: لماذا تغيرتم؟ ألم تكونوا تدعمون تفاصيل العصر الجديد؟ لماذا تصيرون معترضين على العصر الجديد؟ هكذا يقول لي ولسواي، قراء وساسة وعاملون في أحزاب تعتقد أن انتقاد رئيس الحكومة هو "خيانة" للتجربة.لكننا وبعد دخول العام العاشر على العصر الجديد، لم نتغير كثيرا، فقد بقينا نعتقد ان احتجاجنا المتواصل هو انتصار لروح الإصلاح والحرية التي لم يمنحها لنا صدام حسين، ثم حصلنا عليها بطريقة فوضوية بعد سقوطه، ويريد سلطان آخر اليوم ان يتولى "تنظيمها" بطريقة تخون كل تضحيات السنوات الصعبة.إنني أقرأ الآن وفي لحظة دخول العام العاشر على سقوط صدام حسين، تقريرا نشرته واشنطن بوست ينقل عن الناشط والمدون حيدر حمزوز انه يخشى من بند في قانون حكومي لـ"جرائم المعلومات" يفرض عقوبة بالسجن لمدة عام على من يخالف القيم الأخلاقية والدينية والعائلية. لان العبارات العائمة ستصبح سلاحا بيد السلطة تسجن به من تشاء. والدول المتمدنة تكتب مثل هذه البنود بأكبر قدر من الدقة بينما تسردها حكومتنا إنشاء سهلا عائما بلا محددات فتقول ان السجن مدى الحياة سيكون مصير من يستخدم الكمبيوتر وشبكات الاتصال الاجتماعية لتهديد "استقلال الدولة وسلامتها ووحدتها".وبعد دخول العام العاشر تقرأ في الأخبار ان كل الكتل تريد مناقشة رئيس حكومة ائتلافية مكونة من تحالف الكتل نفسها، ومحاورته حول طريقة ادارته للدولة.. لكنه يرفض بأشكال عدة. كما تقرأ في الاخبار ان البرلمان منشغل بكل شيء لكنه يحجم عن استجواب المسؤولين الذين تعثروا وتلكأوا في تحقيق منجز واضح للأمن والخدمات والاقتصاد، بالأموال التي أتيحت لهم على مر السنوات التسع الصعبة التي انتهت من أعمارنا جميعا.وبعد دخول العام العاشر، لا يزال حلم ان نعيش مثل نظرائنا في الدول المتقدمة، بعيد المنال بسبب أمزجة ساسة يحكموننا ولا يعجبهم ذلك. وهناك من يقيم الدنيا دون ان يقعدها، مثل صدام حسين بالضبط، حين يرى الشباب يحلمون بأن يعيشوا مثل نظرائهم في اليونان او ماليزيا، على مستوى التنمية والحرية والرفاه وسبل التقدم. وبعد دخول العام العاشر، مازلنا نعتقد ان أمام عراقنا فرصة كبيرة رغم كل الحظوظ التي اهدرتها الاحزاب والطوائف. وان التمسك بتلك الفرصة يعني المزيد من الاحتجاج والاعتراض، وان على الشعب ألا يستسلم بين يدي سلطانه هذه المرة، لأنه فعلها في مرات سابقة ورأى النتيجة التي انكشفت عام 2003 عن خراب عظيم بحجم الامة اورثه لنا رجل تصرف بمزاجه بالمصائر، طيلة 24 عاما ظل فيها رئيسا للعراق.الاكثر وفاء لعشرة اعوام من العصر الجديد، هم النشطاء الشباب الذين لم يعرفوا صدام جيدا بحكم اعمارهم، وبدلا عن ذلك تذوقوا طعم الحرية ولم يستطيبوا طعم الاستبداد او يتربوا عليه. الطفل الذي كان بعمر 10 اعوام في 2003، يدخل عامه العشرين اليوم وهو مشبع برغبة ان يظل حرا، ورغبته هذه أمل فريد وسط كل الفرص المهدورة لكل العصور.
عالم آخر: عام عاشر لعصر جديد
نشر في: 8 إبريل, 2012: 10:28 م