أحمد عبد الحسينيولد الإنسان بلا اسم، لكنه ما أن يمنح اسماً حتى يكون لصيقه، ولا يمكن أن يُعرَفَ إلا به. والعلامتان الدالتان على الذات: الجسد والاسم، لم نخترهما ولم يستشرنا أحد بانتقائهما لكنهما، على أية حالٍ، هوّيتنا التي نغدو من دونهما غفلاً مجهولين.
بعض الناس ينفر من اسمه فيضطرّ لتغييره، آخرون يتعايشون معه حتى لو لم يحبّوه، بعض الكتاب مثلاً يلجأ ـ حين الخوف أو رغبة التنصّل من المسؤولية ـ إلى اسم مستعار يتستّر به من عواقب ما كتب، وهو فعل يقلل من أهمية المكتوب وصدقيته، باعتبار أن كاتبه "المجهول" لا يستطيع تبنّي الآراء الواردة فيه فكيف يُقنع قارئاً بتبنيها!لكني لم يطرق سمعي أن هناك سياسيّاً باسم مستعار، أو خائفاً من اسمه أو يشعر بالعار منه، أو يريد أن يتنصّل مما يقول فيتخذ له اسماً آخر، لم أقرأ يوماً ولم أسمع شيئاً عن ذلك إلا في عراق اليوم الذي يذكّرنا ببيت أبي العلاء:أراني الدهرُ منكم كلَّ عجبٍفما أنا بالعجائب مستزيدُومن عجائب العراق أن سياسيين كثراً لم يعد لهم اسم، صاروا كلهم يُعرفون تحت اسم واحد موحّد، كالزيّ الموحّد تماماً، يشتركون في صفة الخوف من أسمائهم "أو ربما كراهيتها أو الخجل منها" فاختاروا لهم جميعاً اسماً طويلاً نسبياً لكنه جامع مانع، الاسم هو "مقرّب من المالكي"!ما يخاف هؤلاء من قوله يقولونه باسمهم الجديد، وما يريد السيّد المالكيّ نفسه أن يصرّح به دون أن يسائله أحد مستقبلاً ينفث به على لسان هؤلاء أو يريهم إياه في رؤيا صادقة أو يلقي به إليهم وحياً أو من وراء حجابٍ، فهم مخلوقون لهذه المهمة الشاقّة: أن يكونوا بلا أسماء لنصرة من يحملون اسمه، أن يطمسوا هويتهم الخاصة لإعلاء هويّة أكبر، وأن يكونوا مجهولين في الأرض معلومين في السماء، وتلك هي حال أقطاب العرفاء من أهل الله.لكننا نعرفهم، ولا أظنّ أحداً من العراقيين لا يعرف أن "المقرّب من المالكي" هو أحد أربعة أو خمسة سياسيين نعرفهم في لحن القول وفي تكرار ذات المواضيع وفي اشتمال أحاديثهم دائماً على نظرية مؤامرة ما تحاك في مكان ما من قبل دولة ما على رئيس وزرائنا الذي يحملون شرف اسمه.الجديد في الأمر أن محللين سياسيين التقطوا الفايروس، فقبل قليل قرأت في صحيفة عراقية نقلاً عن محلل سياسيّ "مقرّب من المالكيّ" أنه قال كيت وكيت.لا أعرف ما الذي يمكن أن يفعله إنسان ما ليكون "مقرباً من المالكيّ"، أية أدوية يتناول ليكون كذلك، أو أيّ غذاء يساعده في ذلك، هل هناك تمارين رياضية مثلاً، جلسات يوغا، دعاء، صلاة معيّنة تجعل الإنسان يفقد اسمه الخاص ليحصل على هذا الاسم الجديد اللامع "مقرّب من المالكيّ"؟
قرطاس: مقرّب من المالكي
نشر في: 9 إبريل, 2012: 08:36 م