حازم مبيضينيأتي إطلاق اللبناني فايز كرم, العميد المتقاعد المتهم بالعمالة لإسرائيل, بعد سجنه ثمانية عشر شهراً, وثبوت التهم الموجهة إليه, ليؤكد أن السياسة في لبنان تتمتع بدرجات أعلى كثيراً من القضاء, فالرجل الذي قاد جهاز مكافحة التجسس في لبنان, ثم انتقل ليكون من أبرز قياديي التيار العوني, كان عميلاً للإسرائيليين على مدى عدة أعوام,
والمهم واللافت للنظر, أنه يغادر سجنه كبطل وطني, فيعرج على بيت الجنرال البرتقالي لينال بركاته, ويتم استقباله باحتفالات باذخة, ويرش على رأسه الرز – على الطريقة اللبنانية – , دون أن يتأكد أحد من حجم الخسارات التي تسببت بها عمالته, ولا عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة لذلك, ومن بينهم دون أدنى شك أعضاء في حزب الله, الذي لاذ بصمت القبور على المحاكمة البائسة التي مر بها كرم, وعلى الحكم الهزيل الذي نفذه, وعلى إصرار حلفائه في التيار العوني على الاحتفاظ به قائداً, يستحق التبجيل والتكريم. لم تكن الصدمة هينة على الجنرال عون وتياره يوم اعتقال كرم, ليتبين أنه كان المحرك الأساسي، أو أحد أبرز المحركين لخلايا العملاء, الذين تساقطوا بشكل سريع على حواف توقيفه, وكان الاعتقال قد تم على يد فرع المعلومات, المتهم من عون بأنه محسوب على تيار المستقبل, دون أن يغفل أحد أن الضربة كانت دليلاً على احترافية هذا الفرع ومهنيته, كذلك كانت الصدمة شديدة في أوساط حزب الله, الذي سارع لإرسال فريق أمني خاص إلى منزل الجنرال المصدوم, للكشف عن أي معدات تجسسية ربما يكون كرم قد زرعها في منزله, الذي كان يستقبل فيه قيادات من حزب الله, ولم يجد الجنرال مثالاً غير التذكير بأن من حواريي السيد المسيح من كان خائناً, وقد سلم المسيح لأعدائه، وهكذا وبخطاب متشنج كالعادة, رأى الجنرال في نفسه شبيهاً بالمسيح, وفي كرم التلميذ الخائن, في محاولة بائسة لاستثمار المناسبة بشكل عكسي.المدهش أن حزب المقاومة والممانعة التزم الصمت, وتجاهلت أجهزة إعلامه الحادثة الفضيحة, خشية إحراج حليفه المسيحي, الذي يسعى من خلال التحالف معه, لإبعاد الصبغة الطائفية التي تدمغه, وهكذا تم حبس قضية التجسس والعمالة مع صاحبها, اعتماداً على فضيلة النسيان التي قد تصيب المجتمع اللبناني, لكن مهرجانية الإفراج عنه أعادت تفاصيل جريمته إلى الواجهة, ومعها السؤال عن موقف الجنرال وحلفائه في حزب المقاومة, خصوصاً وأن العميد العميل لم يبد الندم على جريمته, أو يحاول تسويغها, ووصل به الحال إلى الزعم بأن القصة بمجملها مجرد حرتقات سياسية, ابتداءً باعتقاله, ومرورا بمحاكمته وسجنه بعد ثبوت التهمة, وليس انتهاءً بالإفراج عنه.مدهش كيف يتمكن الساسة اللبنانيون من الانقلاب من الشيء إلى ضده دون ان يرف لواحدهم رمش, او تهتز في رأسه شعره, ومدهشة قدرتهم على تبرير أي أمر ونقيضه في آن معاً, حتى دون تفكير في كيفية استقبال هذه التحولات غير المنطقية من قبل الناس, وهنا يمكن لنا فهم كيف يحمي حليف حزب المقاومة والممانعة, عميلاً للعدو الصهيوني الذي يحاربه ذلك الحليف, نقصد بذلك طبعا حزب الشيخ حسن نصر الله, بعد أن انتظرنا أن يشير إلى هذه المسألة التي نراها عويصة, في واحد من خطاباته التي صارت اكثر من الهم على القلب, ولكن يبدو أن انغماس الشيخ في وحل السياسة اللبنانية يصرفه هذه الأيام, عن قضايا المقاومة التي يتعيش حزبه على اعتناقها, وهنا نستطيع أن نتفهم لماذا يصر جنرال المقاومة, المتحول من عشق البعث العباسي, إلى التوله بالبعث الأموي على الاحتفال بالعميد العميل.من أجمل ما قاله السياب:إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنونأيخون إنسان بلاده؟ إن خان معنى أن يكون.. فكيف يمكن أن يكون؟ الطبطبة على العميد العميل خيانة للوطن أيضاً , أليس ذلك صحيحاً أيها اللبنانيون؟ .
في الحدث: العميد العميل
نشر في: 9 إبريل, 2012: 08:53 م