TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > تحصين الحريّات العامة

تحصين الحريّات العامة

نشر في: 10 إبريل, 2012: 08:45 م

فريدة النقاشسوف تكون معركة تحصين الحريات العامة والشخصية دستورياً واحدة من أهم المعارك التي تدعو كل القوى الديمقراطية إلا خوضها حتى النهاية في سياق دفاعها عن دستور لكل المصريين، وتزداد المسألة أهمية حين تتبين لنا بعض النوايا الخفية لنواب الإسلام السياسي ولمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين الذين لا يخفون عزمهم - على لسان مرشحهم للرئاسة خيرت الشاطر بشأن «تشكيل هيئة للحل والعقد تساعد البرلمان على تطبيق الشريعة الإسلامية» ،
 فضلا عن أننا لا ندري حتى الآن أي شيء عن طبيعة النص على مرجعية الشريعة في الدستور، وهل ستتأسس هذه المرجعية على المبادئ كما هو النص في الإعلان الدستوري، أم على الأحكام كما يطالب حزب «النور» السلفي الذي دعا في سياق مطالبته بالنص على الأحكام بدلا من المبادئ إلى تطبيق الحدود.وتعلمنا التجربة الإنسانية في البلدان الإسلامية التي طبقت الحدود من الرجم للجلد لقطع الأيدي والأرجل من خلاف كم تشوهت صورة الإسلام في نظر العالم، وكم من المآسي قد حدثت، والآلام التي تسبب فيها هذا النهج خاصة أنه ارتبط بتكثيف الاستغلال الطبقي ضد الكادحين الذين دمرهم الفقر والبؤس جنبا إلى جنب جرائم من يدعون أنهم يطبقون شرع الله، ودفعت النساء على نحو خاص في كل من السعودية وإيران وأفغانستان والسودان ثمنا باهظا.ولعلنا نتذكر في هذا الصدد فيلم «موت أميرة» الذي مثلته الفنانة القديرة «سوسن بدر» وجرى إنتاجه في بريطانيا وكيف جرى قطع رقبتها وسط حلقة من المتفرجين لأنها تجرأت على تقاليد القبيلة وقررت أن تتزوج رجلا أحبته، كذلك لا يزال ساريا تقليد رجم الزانيات في إيران زيادة في الإيلام قبل الموت والحال نفسه في أفغانستان رغم الفروق بين السنة والشيعة هنا وهناك إلا أنه تم «الإجماع» على إيذاء النساء في النظامين باسم الدين.ورغم أن القرآن الكريم قال بنص العبارة «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» فإن من سماهم الكاتب والمفكر التونسي «مجانين الله» يتربصون بالكتاب والمفكرين والمبدعين، ويتلمظون لوضع نصوص لا تجرّم حرية الاعتقاد فحسب، وإنما أيضا حرية الفكر والتعبير والإبداع، وربما سوف يكون الصراع على هذه الأرضية هو الأشد ضراوة لأنهم يريدون أن يفرضوا قانون السمع والطاعة على الجمهور المصري كله بعد أن فرضوه على أعضائهم فتدربت أجيال وأجيال من الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين تنظر إلى النص الديني نظرة حرفية، وتتوقف عند ظاهره لا معناه ومغزاه وقد سبق لهم أن حرضوا ضد الباحث «فرج فودة» لأنه دعا المسلمين  إلى قراءة التاريخ الإسلامي قراءة موضوعية نقدية تزيح عنها عباءة التقديس لأنه تاريخ صنعه البشر وأسفر هذا التحريض عن قتل المفكر غدرا.ولم تتوقف الجماعة عن إنتاج الجواب الواحد الجاهز والمعد سلفاً عن كل الأسئلة، ولكن من حسن حظ الحريات العامة والشخصية أن شباناً بلا حصر يغادرون الجماعة أو يختلفون معها لأنهم قرروا أن يطرحوا الأسئلة ورفضوا أن يتلقوا الأجوبة الجاهزة فمارسوا حريتهم واحتكموا إلى العقل والقلب وشاركوا في ثورة 25 يناير كاسرين مبدأ السمع والطاعة لأن قادتهم طلبوا  منهم ألا يشاركوا.وأصبح هؤلاء وغيرهم من الشباب العصري الحر المتسائل المرتبط بثورة الاتصال وبالعالم ذخرا لقضية الحريات العامة وقوة كامنة حين يحتدم الصراع دفاعا عنها وتحصينا لها في الدستور.يقول مدافعون عن الإسلام السياسي: فلنجرب أن نتجاوز الماضي، ولتكن لنا بداية جديدة، وأظن إن ملايين المصريين الذين صوتوا لهم في الانتخابات قالوا ذلك مؤكدين أننا لم نجربهم حاكمين من قبل، ولكن، واه من لكن اللعينة تلك، إذ أثبتت تجربة الشهور القليلة التي اعتلوا فيها العرش أن تزمتهم، وشهوة الاستحواذ على كل السلطات لديهم، وتربصهم بالحريات العامة والشخصية هي جميعا نزعات تكوينية متأصلة في بنية الحزب الذي يخلط السياسة بالدين، تماما كما هو الحزب العنصري أو الجماعة الدينية في أي مكان.تبشرنا الانسحابات المتوالية من لجنة الدستور بأن القوى المدافعة عن الحريات العامة التي تتأسس على مبدأ المواطنة وضمان الحريات العامة والشخصية من حرية الاعتقاد للتعبير ومن حرية التفكير لحرية التنظيم ثم لحرية الاختيار هي أوسع كثيرا جدا مما يتصور خصوم هذه الحريات سواء كانوا ينطلقون من على أرضية الاستبداد المدني أو أرضية الاستبداد الديني، وما يحدث الآن في تجربتنا هو تزاوج الشكلين من أشكال الاستبداد إذ يحتمي كل منهما بالآخر، وسوف تخوض القوى الديمقراطية والعلمانية كافة هذه المعركة على كل المستويات بادئة بفض الاشتباك بين الشكلين من أشكال الاستبداد وصولاً إلى تحصين الحريات العامة والشخصية في الدستور الجديد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram