حازم مبيضينفي نصف الساعة الأخير, قبل إغلاق أبواب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في مصر, الخارجة للتو من حكم عسكري امتد عقوداً, وإن حاول الظهور بمظهر حكم مدني, عاد جنرال مصر القوي عمر سليمان إلى الواجهة, في لحظة بدت كالتماع ضوء باهر في عتمة مدلهمة, فاختطف الأبصار,
وهو يعلن ترشحه للمنصب الذي ظل أقرب اليه من حبل الوريد, طوال أكثر من عشر سنوات, لم يكن محتاجاً خلالها لكل هذا الذي يجري اليوم, فقد كان كافياً أن يصدر الرئيس مبارك فرماناً يسميه بموجبه نائباً, ثم يتنحى ليقضي بقية حياته معززاً مكرماً, ومحمياً بنفوذ خليفته من أي مسائلة عما جرى إبان سنوات حكمه المديدة, غير أن الرغبة العارمة في التوريث, منعت الرئيس المخلوع من اتخاذ الخطوة, التي كانت لصالحه في كل الأحوال.في لحظة ما تبدو خطوة سليمان, محاولة مؤيدة من المجلس العسكري الحاكم, لوقف مد نفوذ جماعة الإخوان المسلمين, الذي يحاول اجتياح مصر كلها, وتجيير ثورة أبناء ميدان التحرير, لبسط نفوذ حزب إسلاموي, لن يكون بحال من الأحوال أفضل من سابقه, من حيث الهيمنة على كل مفاصل الدولة, والمؤكد أن الجنرال القادم من صعيد مصر, ومن أروقة المخابرات, يسعى لاستثمار مخاوف المصريين من سرقة تضحياتهم, عبر صناديق الاقتراع, الملتبسة اليوم بحكم ضبابية المرحلة الانتقالية, وغموض الأهداف التي يسعى الإخوان للوصول إليها, ويبذلون في سبيل ذلك كل الجهد, وصولاً لمحاورة الإدارة الاميركية, لإثبات حسن نواياهم تجاه العلاقة مع الغرب, بما في ذلك إسرائيل. لن يكون سهلاً فوز الجنرال الغامض, الذي ظل حتى اللحظة الاخيرة وفياً لمبارك, ربما بحكم تربيته العسكرية الصارمة, أو منشئه الصعيدي المتمسك بقيم الوفاء والولاء وعدم ( خيانة العشرة ), أو بسبب امتلاكه معلومات, ستظل بالطبع سرية, عن الصراع على حكم أم الدنيا, وربما بهدف الحفاظ على بنيان الدولة من التفكك, والدخول في مرحلة من الفوضى وانعدام الوزن, كما هو حاصل اليوم, وقد يكون الرجل راهن على انضباط المؤسسة العسكرية, التي ينتمي إليها, مؤملاً أن تحافظ على التماسك, وتعمل على نقل السلطة من مبارك إلى خليفته, وجرت خطوة بهذا الاتجاه, حين تم تسميته في آخر أيام مبارك نائباً للرئيس, فيما يوحي بانه سيتولى المنصب قريباً, غير أن مؤسسته الأم خذلته, وانحازت إلى صوت الشارع, الذي كان عالياً وقادراً على تغطية كل صوت آخر.اليوم يبدو أن المؤسسة العسكرية فتشت عن مرشح يحمل همومها, ويحافظ على مكتسباتها, فلم تجد أفضل من الجنرال الذي تخلت عنه, فاستنجدت به, وهو الخبير بخفايا كل شبر في أم الدنيا, وهو الذي حمل أكثر الملفات خطورة وحساسية في المنطقة, وهو أيضا صاحب مروحة من العلاقات مع قيادات المنطقة, وأصحاب القول الفصل فيها, وهو الذي يبدو المنقذ من الهجوم الكاسح للإخوان المسلمين, المتعطشين للسلطة بكل ثمن وبأي ثمن, والمؤكد ان تلك المؤسسة التي تحكمت في مصير مصر منذ عقود, ترى أن سليمان أكثر قبولاً عند الشارع, من الجنرال طنطاوي, المتميز بالتردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب. سيرى البعض في ترشح سليمان, أو نجاحه محاولة لاختطاف الثورة, أو العودة بمصر إلى عهد مبارك, ولو عبر تحسينه قليلاً, وسيرى آخرون فيه الفصل الأخير من مؤامرة تستهدف وأد الثورة, لصالح العلاقات مع إسرائيل, غير أننا لا نجد عند هؤلاء إجابة على سؤالنا: ألا يقوم الإخوان بذلك؟ مع فارق أنهم سيعودون بمصر إلى ما قبل عهد مبارك بعقود طوال.
في الحدث: الجنرال الرئيس
نشر في: 10 إبريل, 2012: 08:55 م