TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الخوف من المستقبل

الخوف من المستقبل

نشر في: 11 إبريل, 2012: 09:00 م

علي حسين عبيديقول ذوو الشأن ـ وأنا أتفق معهم، أن نزعة الاستحواذ (المستشرية) تتلبس الشخصية العراقية منذ عقد من السنوات تقريباً، وهناك لهاث مسموع و(مرئي) نحو جمع المال والحصول على المكاسب، ويمكن أن نضع نيسان 2003 نقطة شروع لانطلاق ظاهرة الاستحواذ بصورة مثيرة للاستغراب، بالتزامن مع أجواء الانفتاح التي حدثت بعد التأريخ المذكور،
وتوسعت فجأة على نحو غير مسبوق، لكننا نتفق على أن الاستحواذ المعتدل غريزة طبيعية تدخل في تركيبة الإنسان، ولا غضاضة فيها عندما تتميز بالاعتدال، أما ما أتحدث عنه هنا، هو ذلك اللهاث الجماعي نحو تحقيق المكاسب المادية بشتى الطرق، حتى لو كانت مخالفة للقانون الوضعي أو الأعراف أو حتى الأحكام الدينية. علماء الاجتماع يؤيدون وجود هذه الظاهرة لدى العراقيين، ويؤكد بعضهم أنها تقف وراء حالة الخوف والقلق التي يعيشها العراقي في حياته اليومية ونظرته إلى المستقبل، لهذا تعددت الولاءات، وصار الاحتماء بالدائرة الانتمائية الصغرى، بديلا عن الانتماء إلى الدائرة الكبرى (الوطن)، فقد أصبح الانتماء القبلي أو العائلي أو الفئوي أقرب إلى الفرد العراقي من سواه، وشاعت في المجتمع حالة تعدد الولاءات، وانبثقت كيانات وتجمعات صغيرة وكثيرة توزعت على امتداد العراق، ويؤكد ذلك ظهور عشرات التجمعات المجتمعية والسياسية التي أعلنت تشكيلها، وتأسيسها تحت غطاء قبلي، عشائري، أو ديني، حتى صار الفرد العراقي يجد فيها ملاذا يحتمي به، بدلا من الاحتماء (بالوطن/ القانون). قد يرفض بعض من يهمهم الأمر هذا الاستنتاج، وقد يرونه معمَّدا بالمبالغة وتضخيم الواقع، ولكن يمكننا أن نتأكد من صحة هذا الكلام حين نوجّه السؤال التالي للفرد العراقي: هل أنت قلق على حاضرك ومستقبلك، وهل تخشى المستقبل؟ ثم لماذا هذا الهلع والركض وراء تحصيل المال؟ وعند الإجابة بصدق وأمانة ووضوح، سنلاحظ أن الدافع الأول لحالة الاستحواذ واستشرائها، هي الخوف من المستقبل، أما الأسباب فهي لا تغيب عن المراقب المتخصص والدقيق، لقد كان المجتمع العراقي ولا يزال ضحية منظومة سياسية (شرهة) تفتقر للشخصية والعقلية النموذجية، إذ لم يظهر بين العراقيين العقل المنقذ والشخصية المحورية التي تشبه مثلا (نلسون مانديلا)، نعم نحن نحتاج إلى (مانديلا عراقي) ونريده نموذجا حيّا يعيش بيننا، لكن لم يحدث ذلك، حتى بعد أن فُسِحَ المجال واسعا (بإطاحة الدكتاتورية) للسياسيين (المناضلين) الذين أمضوا عشرات السنين في المنافي أو سواها، لكن العكس تماما هو الذي حدث، حيث الصراع على السلطة والمناصب والمنافع الفردية والحزبية والجماعية وصل أوجه، لدرجة أننا بتنا نخشى على مستقبل الدولة التي نحلم بها، دولة المؤسسات، والفصل بين السلطات، وسيادة القانون، لهذا فالمواطن العراقي الذي ظل يعاني عقودا متواصلة من البطش وسحق الهوية الفردية وحتى الوطنية، وجد في أجواء الانفتاح مبررا نفسيا لتفعيل ظاهرة الاستحواذ، التي فرضت نفسها عليه بقوة، فدفعته إلى تحصيل المال (ظنا منه انه يحمي مستقبله) بطرق معظمها لا مشروعة تعتمد الاحتيال والمراوغة والتبرير وما إلى ذلك من أعذار، تبرر التجاوز على المال العام، والتجاوز على حقوق الآخرين، لتصبح ظاهرة سلوك مجتمعي مبرَّر وهنا تكمن الطامة الكبرى، حيث تشيع الآن بين الناس جملة (أكوِّن نفسي) باستغلال الوظيفة. وهكذا حين يعجز النظام السياسي الراهن عن طرح النموذج المنقذ، فإن ظاهرة الاستحواذ سوف تتنامى وتستشري باضطراد، يرافقها تعدد الولاءات الصغرى، مع عد تنازلي للولاء الوطني الأكبر، ينتج عن ذلك خوف من الحاضر والمستقبل، يتلبس الفكر والحركة الفردية والجماعية المجزَّأة أصلا، وفقا للانتماء العشائري أو الديني أو العرقي أو حتى المناطقي، وهو خطر يحيق بالمجتمع العراقي، يتحمل نتائجه الصعبة والخطيرة النخب وقادتهم، وأولهم وأكثرهم مسؤولية (النخبة السياسية) التي لا تزال تتخبط في مستنقع المنافع والصراعات والحسابات الضيقة التي تضع مصلحة (الأنا) فوق مصلحة الوطن والمجتمع في آن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram