سرمد الطائيمهم جدا ان نتابع ما قاله قنصل تركي رفيع خلال زيارة لكربلاء قبل ايام. فحين اشتكى له مسؤولو المحافظة من تعثر مشاريع تتولاها شركات تركية، سألهم: هل حاولتم ان تتشاوروا مع الملحقيات المتخصصة الموجودة في سفارة تركيا وقنصلياتها الثلاث داخل العراق قبل ان تتعاملوا مع تلك الشركات؟
لماذا ابرمتم عقودا مهمة مع شركات تركية من الدرجة الخامسة، ولم تستشيرونا حول ذلك كما هو متبع في كل دول العالم؟الدبلوماسي التركي حريص بالضرورة على عدم تشويه سمعة شركات بلاده، لكنه يرصد نشاط تلك الشركات بالتأكيد ويريد اداء افضل كي يضمن السباق داخل السوق العراقية الكبيرة. والمهم في حديثه لحكومة كربلاء المحلية ان مسؤولي العراق في كربلاء وسواها، وبعد 9 اعوام على العصر الجديد، وبعد 100 عام من “الدولة الحديثة”، يتعاقدون مع شركات تركية تصنفها انقرة في الدرجة الرابعة والخامسة، بينما تصل مبالغ العقود تلك كما يقول الخبراء، الى 4 اضعاف قيمتها الفعلية بسبب ظروف العراق الغريبة العجيبة و”شطارة” الجانب العراقي في المفاوضات!والحقيقة ان خبرتنا في التعامل مع الدنيا تتطور ببطء شديد، وذلك يضيع علينا فرصا كثيرة ويجعلنا نراوح في اماكننا حائرين بلا كهرباء ولا ارصفة جيدة ولا مصانع ولا استثمارات. وخلال حفل توقيع كتاب العودة الى الاهوار لغيفن يونغ، والذي ترجمه الدكتور حسن الجنابي ونشرته المدى في طبعة ثانية، كان الحديث حزينا، فالسادة الحضور تطرقوا الى ذكريات كبيرة عن نمط حياة نادر وطبيعة خلابة كانت عليها الاهوار العراقية منذ فجر الخليقة حتى الثمانينات. والجميع يستفهم حول خيارات احياء ولو جزء من تلك المناطق ذات المردود الانساني والبيئي والاقتصادي والسياحي العميق على بلادنا. لكن كل شيء يسير ببطء وبنحو خاطئ في الغالب. وخلال الملاحظات المهمة التي سمعناها من المحتفى به والمشاركين، قال الجنابي ان عمالقة النفط الغربيين والشرقيين يعملون اليوم قرب الاهوار واحيانا داخلها، وبعضهم يرغب في تخصيص جزء من ارباحه لتحسين ظروف الحياة في تلك المناطق ويفاتح العراقيين بذلك. لكن الجنابي اشار الى ان العراقيين كحكومة وكأفراد ايضا، كثيرا ما يضيعون فرصة الاستفادة المثلى من رغبات الاجانب وعروضهم، بسبب جهلنا بالطريقة المناسبة لمتابعة القضايا المهمة.وفي الواقع فإن تباطؤنا في كيفية التعامل مع الاجنبي الخبير، هو جزء من سؤال عمره 200 عام من الاستعمار ثم الشراكات الاقتصادية الكبرى بين الاجانب والعراقيين. الغرب كان يطرح السؤال بألف اسلوب: ماذا تريدون بالضبط وكيف لشراكتنا ان تتحسن؟ لكننا لا نجد جوابا عمليا في الغالب، ليس مع الغربيين بل حتى مع الاتراك كما يبدو رغم انهم جيران شرقيون يشبهوننا في قضايا كثيرة، اذ نذهب للتعاقد مع شركات تصنفها سفارة انقرة في درجات متأخرة على سلم الخبرة والكفاءة، وعلى هذا فقس.والاجانب ليسوا ملائكة كما انهم ليسوا مؤسسة خيرية، لكن لكل منهم قواعد عمل لم نتعلمها بعد. وحين يتعلم بعضنا قواعد التعامل مع الاجنبي فإن سلوكه معهم يمتلئ بشتى انواع المعرقلات التي تطرد العناصر الجيدة وتحرم البلاد منها. وهناك تقارير حكومية رفيعة تصدر من امانة مجلس الوزراء او ديوان الرقابة، تفيد ان موظفي الحكومة يحيلون مشاريع الى طرف اجنبي رصين، لكن سلوك موظفين آخرين “والالعاب” التي يقوم بها المقاولون من كل الاصناف والانواع، يؤدي الى تحويل مرحلة التنفيذ الى جهة اخرى بلا خبرة، ثم يتنصل الجميع عن المسؤولية، ويتكرر الخطأ مرارا، وهو ما نرجو ان تعلن اسبابه ومبرراته، لاننا لم نعد نفهم شيئا مما يجري حولنا، ولا نريد ان نبدو كمجرد نائحين على خرابة كبيرة اسمها الوطن. هل سنفهم؟
عالم آخر: حيرة الأجانب من كربلاء الى الأهوار

نشر في: 11 إبريل, 2012: 09:37 م